على الرغم من أجواء لبنان غير الطبيعية التي لا نعني بها الثلج والطرق والمدارس والجامعات وقرارات وزارة التربية بالتعطيل أو تأخير الدوام ،وظروف البلاد عامة وبخاصة التفجيرات الارهابية والسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة التي تجري بمشاهدة عالمية للبنانيين حيث الدم الشلال يسيل بغزارة فحسب ،طالعتنا بالامس استقالة وزير الاشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الاعمال غازي العريض بعد الاستماع الى افادتة امام المدعي العام المالي علي ابراهيم على خلفية الاتهامات المتبادلة بينه وبين وزير المال محمد الصفدي بشأن فضائح مالية وملفات فتحت إثر اضرار العاصفة الثلجية “الكسا” .
هكذا اعلن العريضي توقّفه عن تصريف الاعمال والدخول في اجازة سياسية قبل ان يقول بعدها ما يجب ان يقال ، ولكن هل ان فيضان طريق المطار واعتراضه على المخالفات القائمة على الاملاك البحرية وغيرها من الخلافات المستحكمة بينه وبين الوزير الصفدي كانت وحدها وراء استقالة العريضي ام ان هنالك اشياء اخرى مستورة سوف يكشف عنها في الايام القليلة القادمة ؟
ان المتتبع لتسلسل الاحداث منذ احجام النائب وليد جنبلاط عن ترشيح العريضي للانتخابات النيابية التي كانت مقررة في شهرحزيران المنصرم ،ومن ثم الحديث عن خلافات بالجملة في الآونة الاخيرة حصلت بين ابن بيصور وزعيم المختارة لاسباب مالية وغيرها من الامور التي لا نريد الدخول الآن في تفاصيلها ،تشير الى ان ثمة خلافات داخلية بدأت تطفو على السطح في صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي وربما كانت مسألة التوريث السياسي تشكل الجزء اليسير منها .
ما لم تحدث معجزة سياسية أو من أي نوع آخر، تيمور وليد جنبلاط هو الرئيس المقبل للحزب التقدمي الاشتراكي.. حتى ولو من دون انتخابات داخلية ورغما عن أنف الاشتراكيين ! فالشاب على حد قول المقربين منه “لن يترك اتباع الزعامة الجنبلاطية يورطون البلد في كل هذا الوحل من الفساد والسرقات ، والتصحر السياسي والثقافي، ليتخلى عن كرسي زعامة المختارة لهؤلاء الذي تقودهم ملفات فضائحهم للسجن ويحفظ التاريخ صفحاتهم النتنة”.
بالمقابل يرى فريق اشتراكي آخر انه “لسوء حظ الحزب التقدمي الاشتراكي أن القحط السياسي الذي سببه نظام الحكم وتوّجهُ جنبلاط منذ تسلمه لرئاسة الحزب ، لم يترك للاشتراكيين خيارات تـُذكر من الرجال. منذ سنوات طويلة أكثر، كلما حلت انتخابات رئاسية أو ضاق الأمر أو جرى حديث عن بدائل سياسية في أعلى مناصب المسؤولية، اتجهت الأنظار الجنبلاطية مجددا الى وليد جنبلاط” .
وتابع المصدر :”في المنطق النظري ان الترشح لرئاسة الحزب الاشتراكي من خارج سلالة جنبلاط يبدو حلما جميلا. لكنه في الواقع ليس كذلك على الإطلاق”. ،
لذلك يعتقد هؤلاء بأن الوزير العريضي توهم “ان الزمن زمنه بعد الخلاف الكبير الذي وقع بين وليد جنبلاط والنظام في سوريا وبالتالي اعلان جهات رسمية سورية بأن قصر الشعب لن يفتح ابوابه لزعيم المختارة ونجله تيمور بعد اليوم،وعليه يرى العريضي بأنه البديل باعتباره أفضل الموجود، أو الأقل سوءا، وصاحب خبرة سياسية وصاحب طموح لا يبدو أنه يتراجع.. والأهم صاحب ثقة في بعض أوساط دوائر الحزب الاشتراكي فضلا عن مروحة علاقاته الواسعة مع حكام وامراء خليجيين من اصحاب الفضل الكبيرعلى المعجن الجنبلاطي”.
وحتى على افتراض صحة هذا الاحتمال، يرى المصدر بأنه “لا يمكن أن يكون العريضي البديل هكذا ببساطة.. أي شخص يحمل طموحا وبرنامجا، ولو كان اسمه غازي العريضي ، غير مسموح له في الوقت الحاضر أن يصبح رئيسا للحزب الاشتراكي ف هناك الأهم: تزكية نظام الحكم الجنبلاطي وتوافقه عليه. فهل ‘تخلى’ أركان هذا النظام عن وليد جنبلاط . وإذا كان الجواب نعم، هل يبقى حزب اشتراكي ؟ ـ أو أن العريضي لم يعد يكترث لجنبلاط بعد تضخم محفظته المالية وامتلاكه العقارات والمصالح التجارية خارج لبنان؟”.
أجوبة غائبة لأسئلة مشروعة تحيط باستقالة العريضي وثقته الزائدة. لا بد أن الرجل يعلم ما لا يعلم غيره، وهنا واجبه يلزمه بمصارحة الناس، خاصة مؤيديه وانصاره الذين يقفون معه اليوم . وإما أنه والذين من حوله لم يتعلموا من السياسة انها قادرة على حصار صاحبها ومن ثم عزله . وإما أن الرجل مدرك لكل شيء لكنه لا يهتم لشيء وعينه لا ترى غير كرسي رئاسة الحزب مهما كانت الكلفة والتفاصيل؟!
^