إنتصرت دبلوماسية إيران وتمّ توقيع الإتفاق مع الدول الكبرى (5+1)، في جنيف (22-24/11/2013)، هذا النجاح حققته الحكومة الإيرانية في أقل من مئة يوم.
الحدث تاريخي بامتياز، الرئيس الإيراني حسن روحاني أعلن، أن العقوبات تتكسّر، ومنطق كبير في التفكير الإيراني، أوقفت الساعة بتوقيت طهران، لا يوجد خيار عسكري أميركي، لأن أجهزة الطرد المركزي الإيراني أسرع من العقوبات الأميركية، ومنطق الدول الكبرى أفضى أخيراً الى التسليم بأن تصبح إيران قوة نووية على عتبة القدرة الذريّة، وبعد أن انتصرت في المعركة التقنية فهي تنتصر في المعركة السياسية، وهي تحصل على شرعية برنامجها النووي، وهي تغيّر توازن القوى لمصلحتها، وجاء هذا من خلال التفاني في العمل والإيمان بروح الجماعة وتراكم المعارف والقيادة الحكيمة والشجاعة.
ضمنت إيران بالإتفاق مع الدول الكبرى، حقها بالتخصيب وإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، والعديد من المكاسب مثل تخفيض دعم الطاقة وتحقيق المزيد من الصادرات وخاصة النفطية وزيادة القيمة المضافة للصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وهي بذلك ستحقق قفزة اقتصادية غير مسبوقة عبر رفع تدريجي للعقوبات عن اقتصادها وأرصدتها المجمدة في الولايات المتحدة تمهيداً لقفزة تنموية.
من الناحية العملية بدأت أسهم إيران ترتفع وسوف تنعكس إيجاباً على سائر أرجاء المنطقة، وأصبحت قوة إقليمية أكثر فاعلية في أحداث المنطقة وقضاياها.
في الشكل ومن الناحية النظرية، الإتفاق هو بين إيران والدول الست الكبرى، ولكنه في المضمون بين إيران والولايات المتحدة التي تملك رفع العقوبات عن إيران، أما عن توازن القوى الراهنة فهو الذي منع أميركا من تحقيق ما تريد، وسمح لإيران بانتزاع حقها في تخصيب اليورانيوم.
إيران وبشكل متسارع، ويمكن القول، أن ما عجزت واشنطن على انتزاعه بالقوة لا يمكنها الحصول عليه على مائدة التفاوض.
أما عن أبعاد الإتفاق وأهميته، فهو يتعلّق بالمضمون وليس في النص، وفي الوقائع على الأرض، وسيكون هناك تعاوناً إقليمياً أوسع خلال الفترة القادمة لتسوية ملفات المنطقة وبالأخص في الأزمة السورية.
جلست إيران على طاولة المفاوضات وهي قوية واثقة وثابتة لأن صمود سوريا ومحور المقاومة مثل ورقة تفاوضية رابحة وهامة.
ويمكن القول أيضاً، أن التعاون الإقليمي هو في مضمون اتفاق جنيف والمعنى يكمن في صعود إيران دولياً لتصبح شريكاً في حل قضايا المنطقة، وبالتالي تقنين وشرعنة حضورها الإقليمي الذي راكمته في السنوات العشر الماضية.
إن التفاهم الأميركي – الإيراني، وتلاقي مصالح الطرفين الجيوسياسية في الشرق الأوسط سيمنح إيران هامشاً أكبر لتوسيع نفوذها الإقليمي تحت مظلة التفاهم ويجعلها شريكة في رسم خريطة التوازنات الجديدة في المنطقة، وخاصة في ظل علاقاتها القوية والراسخة مع روسيا، والتفاهم الأميركي – الروسي.
أما أسباب الضوضاء والصخب الإسرائيلي، فهي تأتي من كون الإتفاق الإيراني – الأميركي سيحجم قدراتها وحدها على تحديد أولويات الأمن في المنطقة. وليس كما انفردت به طيلة السنوات الماضية، ولذا فإن الكيان الصهيوني عارض وسيعارض أي شراكة إقليمية لا يكون له دوراً فيها، وتحدث عن الخطر الإيراني وهدفه نقل مجرى الصراع في المنطقة باتجاه آخر، وأمام هذا الفشل يتم وصف “الإتفاق بأنه أسوأ صفقة في القرن العشرين”، ومن هنا يمكن القول، إن التهديدات الإسرائيلية ضد إيران فارغة وعاجزة ولن تستطيع أن تهدم بالقوة مساراً اتفقت عليه القوى العظمى الست في العالم وهو ما يجعلها في مواجهة العالم كلّه ما عدا السعودية “صديقتها المخلصة والموالية الأبدية” على حد تعبير الصهاينة أنفسهم، وهذا ما كتبه ناحوم بارنيع في صحيفة “يديعوت أحرنوت”.