كم سيكون حُكم التاريخ قاسياً على “التكفيريين” من العرب حين يُكتب تاريخ هذه الحقبة العجفاء غداً، وحين يقال إنهم لم يعجزوا فقط عن إحراز أسباب النهضة والتقدم داخل اوطانهم ، أسوة بغيرهم من شعوب العالم ، ولا عن بناء وحدة اوطانهم ، وإنما هم عجزوا أيضاً، وأساساً، عن الدفاع عن فلسطين من الاحتلال الصهيوني.
هؤلاء التكفيريين لا يشبهون أجدادهم العرب الذين صنعت نخبهم فصولاً من النهضة الفكرية والأدبية، في القرن التاسع عشر، وفصولاً من المقاومة الوطنية والقومية ضد الاستعمار الأجنبي – وقبله ضد الاحتلال العثماني .
هؤلاء الارهابيين كأنهم لم يولدوا من أصلاب السابقين، كأنهم لا يحملون ذاكرة تاريخية مقاومة ومكتنزة بالقيم الحضارية، كأنهم استمرأوا التنكيل بحق اخوانهم والبطش والقتل والتدمير والاعتداء ،وارتضوا الخنوع والاستسلام وتجردوا من كل القيم الانسانية.
نجح التكفيريون في أن يكونوا على مستوى اسمهم، ولكن المطلوب ايضا الاسراع إلى محاسبتهم على ما أتوا من أخطاء، وما سلكوا من مسالك مسدودة، قبل أن يحاسبهم التاريخ ذو الحساب العسير .
لسنا نستثني أحداً، أو جهةً، في هذا الحكم على تكفيري اليوم، وكل من يتجرأ على دعمهم بالمال والعتاد والسلاح من دول وحكومات واحزاب ورجال مال واعمال، ومؤسسات. .. فهؤلاء جميعاً مسؤولون – وإن اختلفت المقادير – عن أحوالنا التي نعانيها اليوم من ارهاب وقتل أمام هذه الطفرة التدميرية التي تحاول جر البلاد والعباد الى
حروب أهلية طائفية ومذهبية، والى عنف اجتماعي وسياسي يمزق النسيج الوطني والروابط المجتمعية، والى نزعات تكفير تدق الأسافين بين شركاء الوطن والدين . . الخ .
غالبية الدول الخليجية مسؤولة عما وصلنا إليه مما يطول ذكره وعرضه، . كما ان الجميع مسؤول ايضا عن تصحيح هذه الوضعية الشاذة، وإيقاف نزيفها قبل السقوط النهائي المدوّي، كل من موقعه وبحسب إمكاناته وما لديه من تكليف سياسي أو اجتماعي .
وليس يمكن ذلك إلا بإعادة النظر في مجمل المرحلة السابقة، ومواطن الخطأ والخلل فيها، سواء في سياسات الدول العربية في التنمية وتوزيع الثروة، وتوفير الأمن والغذاء، ومواجهة الخطر الصهيوني، ومقاومة مفاعيل التجزئة، وتحقيق الحريات والتعددية السياسية ، ومحاربة الفساد، ومساءلة مرتكبيه، ومواجهة العنف الداخلي والانقسامات الأهلية . . الخ . أو في سياسات الأحزاب واستراتيجيات المشاركة في السلطة، وركوبها العصبيات، أو التكفير، أو الرأي المطلق، ، أو توسل الزبائنية السهلة . . الخ، أو في سياسات المعارضات واستسهال بعضها العمالة للخارج ومحالفة الأجنبي لإسقاط أنظمتها، ، وفي غير تلك من سياسات ومسلكيات الجهات الكثيرة المسؤولة عن نكبتنا .
^