تحتاج المملكة العربية السعودية إلى أكثر من زيارة يقوم بها وزير خارجيتها سعود الفيصل الى دمشق ، حتى ترمم ما تبقى من صورتها ودورها في المنطقة، وهي التي تورطت من الرأس حتى أخمص القدمين، في أكثر من أزمة من أزمات المنطقة، وكان أداؤها في منتهى “الغلو” و”الارتجالية”، لكننا من موقع الإدراك العميق، لأهمية المملكة كدولة عربية واسلامية كبرى في المنطقة، غالبا ما نعوّل على دورها الاطفائي في المسائل الكبرى والقضايا المصيرية ، بدءاً من سوريا وليس انتهاء بمصر ما بعد الثلاثين من يونيو.
ثمة مؤشرات ضعيفة ، لم تتبلور بصورتها النهائية بعد، دالّة على أن المملكة ربما تجنح الى مراجعة سياستها الخارجية تحت وطأة أشد الضغوط، لوقف تدفق القاعدة والمجاهدين والسلاح إلى الداخل السوري.
والحقيقة أن السعودية ذهبت في مشوار تورطها في الأزمة السورية إلى أبعد حد، وبات أداؤها مبعثاً لقلق حلفائها قبل خصومها … ولقد أورد الإعلام الغربي في الآونة الأخيرة، تقارير وتحقيقات استقصائية، تظهر تورط الرياض في عمليات تهريب السلاح إلى الداخل السوري، وتكشف عن شبكات نقل الإرهابيين عبر المطارات ونقاط الحدود إلى سوريا، وتحت سمع وأبصار العديد من أجهزة امنية عربية وبضوء أخضر من بندر بن سلطان.
وحكاية بندر بن سلطان مع “الجهاديين ” “، باتت مفضوحة … وثمة تقارير بشأنها موثقة بالصوت والصورة، صدرت عن جهات إعلامية وسياسية سورية وإقليمية ودولية، لا مجال لإنكارها أو التقليل من شأنها … وتشير الى خطة لتدريب ما يزيد عن عشرة ألف مقاتل تكفيري في باكستان، بتمويل سعودي ، وتهريبهم إلى سوريا عبر الحدود ، لتدعيم “جبهة النصرة” البديل عن الجيش السوري الحر، الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة.
سوريا، هي نقطة البدء في “المراجعة المطلوبة” من قبل المملكة ، على أهمية الملفات والأزمات الأخرى المشتعلة في المنطقة، وليس مطلوباً من السعودية ان تنقل البندقية من كتف إلى كتف، او حتى استعادة بعض لحظات “الود ” مع النظام السوري، المطلوب من المملكة أن تتصرف كدولة مسؤولة عن أمن المنطقة واستقرارها، وأن تضيف جهودها إلى جهود الآخرين، في احتواء التطرف والغلو، ومحاربة العنف والتكفير والإرهاب، بدل التواطؤ معه وتسهيل عمل منظماته … بعد ذلك، لتُبقِ السعودية على دعمها “للمعارضة السورية ” وعلى مواقفها المناهضة للنظام السوري، فهذا شأنها كما هو شأن كثيرين في هذه المنطقة.
المملكة العربية السعودية ستفعل ذلك، في القريب العاجل، والأفضل أن تفعله في أسرع وقت ممكن، اختصاراً لمعاناة الشعب السوري وحقنا للدماء، وإنقاذاً لما يمكن إنقاذه من علاقات المملكة مع “عمقها العربي والاسلامي ”، وفي مسعى نأمله جدياً، للنجاح في ترميم صورة المملكة وإنقاذ تجربة الدور الريادي للسعودية على الصعيدين العربي والاسلامي التي يبدو أنها “سقطت” أو تكاد، عند أول اختبار لها على صخرة “الربيع العربي”.
^