نجحت المبادرة الروسية من خلال صياغة حل أزمة الكيميائي السورية مع الولايات المتحدة وبذلك تكون روسيا اللاعب الأبرز على الساحة الإقليمية والدولية وهي التي نزعت فتيل الحرب الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط وأوجدت مخرجاً لسحب التهديدات الأميركية المباشرة ضد سوريا، وهي بذلك مهّدت الطريق نحو مؤتمر جنيف – 2.
وفي حساب الأرباح، نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحصدت، وهي التي تميّزت بمواقفها المبدئية الصادقة في تحالفاتها وأثبتت أنها اللاعب الإقليمي الأبرز، ومن موقع قوة واقتدار استطاعت إيران بحكمة قيادتها من جر الولايات المتحدة الى أجواء جديدة عنوانها المفاوضات من أجل امتلاك إيران للطاقة النووية للأغراض السلمية، والتقطت الأخيرة (أميركا) فرصتها الراهنة وسارعت في إجراءات تجنّبها عاصفة شرق أوسطية جديدة، وبذلك أصبح في المدى المنظور إنطلاقة جديدة لإيران مع واشنطن تتميّز بمرونة الواثق المقتدر وفي حساب الربح هناك مكاسب لإيران ولمحور المقاومة في أمتنا إذا ما تمّ ربط الملفات الإقليمية ضمن رزمة واحدة.
في الجانب الآخر من المعادلة الإقليمية وفي حساب آخر، هناك السعودية وتركيا و”إسرائيل” وقطر، وهؤلاء جميعاً يعيشون حالة من القلق والإحباط وفقدان التوازن بسبب فشل العدوان الأميركي المفترض ضد سوريا.
بالنسبة لحكام السعودية سقطت كل رهاناتهم تباعاً وهم مَن حاول الاستفادة من الحرب التي تُشنّ على سوريا وقدّموا كل أنواع الدعم للقتلة والمأجورين ولأولئك الذين يتسترون بالدين وهو منهم براء، حاول هؤلاء إضعاف سوريا وتمزيقها وهدفهم الآخر شل إيران، عملوا على تأجيج الصراع الطائفي على الأراضي السورية من خلال دعم الإرهابيين بالمال والسلاح.
حكام السعودية اليوم يتعرضون لضغط أميركي ليس لوقف دعمهم لعصابات القتلة ضد سوريا، وإنما لوضع هؤلاء في حجمهم وتذكيرهم بدورهم التابع وبأن الدرس انتهى وعليهم لملمة أنفسهم استعداداً للإستحقاقات القادمة وعنوانها المصالح الأميركية ومدخلها الآن هو إعطاء فرصة للتقاطع مع روسيا القائد الدولي الأبرز لملفات المنطقة وعدم تفويض التوافق الاستراتيجي الذي هو في قيد التبلور.
وفي المدى المنظور ستحاول السعودية تخريب أي جهد يبذل من أجل إنجاح مؤتمر جنيف 2 إذا ما تمّ عقده لوقف إطلاق النار في سوريا وبداية مرحلة جديدة.
ومن خلال حسابات التقاطع، السعودية تخسر مكانتها ودورها وأموال نفطها، وهي تساهم في حروب خاسرة لا محالة لأنها لا تملك قضية نظيفة لتعمل من أجلها وهي التي تستخدم القضية الفلسطينية كشماعة، ومَن يصدق في عالمنا العربي، أن السعودية رفضت أن تكون عضو في مجلس الأمن لأنها تبحث عن إحقاق الحقوق للفلسطينيين أو تحرير الأرض والمقدسات!؟ بينما هي في حقيقة الأمر تعمل لعرقلة أي عملية دبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة شأنها في ذلك شأن “إسرائيل” التي تشارك معها في ذات الأهداف والأدوار.
وتركيا أردوغان خاسرة وتشعر بقلق عميق وهي ترى الدور الروسي الذي يتوسّع ويزداد فاعلية على حساب الولايات المتحدة، وتركيا يتراجع نفوذها تبعاً لتراجع نفوذ أميركا في العالم حليفها الاستراتيجي.
روسيا هي اليوم مَن يبادر ويقود من أجل حل مشكلات المنطقة بينما يتراجع الدور الأميركي الى دور الداعم، روسيا تكسب مواقع حيوية واستراتيجية في العالم وتساهم في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.