من الصعب أن يدرك المرء حجم التحول الذي طرأ في مصر منذ 20 يناير/ كانون الثاني 2011 وحتى اليوم إذا نظر الى التحولات التي جرت من خلال آليات قديمة تستخدم أفكار لا ترقى الى مفهوم الحرية وإنما ترتضي بقبول الأمر الواقع الذي وصلت إليه مصر خلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن على أيدي حكام زيفوا كل شيء حتى تاريخ بلادهم وتضحيات شعب مصر العظيمة.
اليوم تغيّرت المعطيات كثيراً، والشعب الذي ذاق مرارة وطعم السلام الزائف الذي أتت به اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، هب اليوم وأصبح ثورة صاعدة أطاحت بكل ما جاءت به أفكار السلام المزعوم التي رهنت مصر مقابل حفنة من الدولارات ارتضى بها بعض الحكام الذين ربطوا مصالحهم الذاتية بوجود الهيمنة الأميركية والصهيونية على المنطقة، ذهب أولئك الذين أخرجوا مصر من معادلة الصراع في المنطقة وهم مَن حاولوا تجريد مصر العروبة من دورها وتاريخها حيث شكّلت عمقاً استراتيجياً لكل عالمنا العربي.
يتطلع الشعب العربي في كل مكان الى مصر العروبة، مصر الدور والمكانة والقيم والكرامة، مصر عبد الناصر ومصر الوحدة العربية وحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، ومصر القضايا العربية وفي القلب منها قضية فلسطين.
ذهب أولئك الذين هانوا وإرتهنوا وباعوا وفرطوا، قال الشعب كلمته وقدم التضحيات، وعندما حاول البعض مصادرة الثورة وركوب الموجة وتغيير الواجهة والعودة الى عهود الارتهان من خلال أدوات لفظها تاريخنا وعرفها شعبنا العربي وهي التي ارتبطت بالاستعمار مغلبة مصالها الضيقة والمزورة على مصالح الأمة جمعاء، عندها قال الشعب كلمته بوضوح يوم 30 حزيران 2013 لا للوكلاء الجدد ولا للذين دمروا مقدرات الأمة وتأمروا على القضايا الوطنية والقومية وقبلوا أن يكونوا مجرد أدوات مأجورة في دنيا العرب، أشاعوا الخراب والدمار في كل مكان تواجدوا فيه ولبسوا لبوس الدين وهو منه براء.
مصر اليوم أمام نقطة انعطاف تاريخية سيكون لها ما بعدها، عادت مصر مجدداً الى دورها الرائد وهي أكثر يقيناً بحتمية انتصار القضايا العربية، ومهما حاول الأعداء ومن يدور في فلكهم فإنهم لن يتمكنوا من مصادرة تطلعات الجماهير العربية في مصر التي أدركت ما يدّبر للمنطقة من مشاريع استعمارية جديدة تعيدها الى عهود التخلّف والتجزئة وتضرب بنية المجتمع العربي برمته وتشيع فيه الدمار والخراب وهذا ما يفسح المجال لقوى الهيمنة العالمية من سرقة ثروات الأمة ومصادرة قرارها وحماية الكيان الصهيوني.
الشعب العربي يتطلّع لأن تأخذ مصر مكانتها ودورها وتعبر عن تطلعات الجماهير العربية، نحن أمام منعطف تاريخي هام والحاجة فيه الى العمل وأن ترص الصفوف من أجل مواجهة التحديات المائلة.