قد لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن اتفاق أوسلو 13 أيلول 1993 أي ما يسمى “إعلان المبادئ الناظمة لإتفاق سلام” لم يحقق النتائج التي أرادها صانعوه على أقل تقدير، لأن هذا الإتفاق كان مدمراً في تداعياته على القضية الفلسطينية وعلى أمتنا بشكل عام، وبعد عشرين عاماً وفي جردة حسابية بسيطة، نجد أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس قد تضاعف وتمّ بناء الجدار العازل في قلب الضفة الغربية والهدف قضم المزيد من الأرض الفلسطينية وتهجير أصحاب الأرض الأصليين، وهناك خسائر فادحة على صعيد الأرض والموارد والقدرات الفلسطينية الخاصة، حيث قام الاحتلال بفرض بنية تحتية معينة وتم تحويل المناطق الفلسطينية الى معازل منفصلة بحيث باتت المستوطنات وكأنها الأساس والوجود الفلسطيني هو الجديد، وأصبحت فكرة حل الدولتين التي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني خارج الحسابات الإسرائيلية بعد أن جرى تسويقها لفترة طويلة وتحت عناوين خادعة وكان الهدف كسب المزيد من الوقت من أجل تهويد الأرض، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم في خطوات جديدة يتم الإعداد لها، وهدف المفاوضات الجارية هو الحصول على مزيد من التنازلات من الطرف الفلسطيني الذي يفاوض وأقلها اعتراف صريح “بيهودية إسرائيل” وهذا سيشكل مقدمة لتهجير بقية الفلسطينين من أرضهم في فلسطين المحتلة.
اليوم وبعد عشرين عاماً على اتفاق أوسلو من الواضح، أن المفاوضات لم تحقق شيئاً، والأسوأ هو أن الجانب الفلسطيني عاد للمفاوضات بالطريقة نفسها وبنفس الأسلوب استأنفت المفاوضات برعاية أميركية، لقد بات واضحاً تماماً، أن اتفاق أوسلو كارثة حقيقية على القضية الفلسطينية إذ قيل عن اتفاق مرحلي سيصل في النهاية الى دولة، وما هو في حقيقة الأمر إلا سلطة فلسطينية بالتعاقد مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما شكّل أزمة تاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية ومقدمة لتصفية القضية الفلسطينية، وجعلها قضية سلطة تستجدي دعم الدول المانحة للحفاظ على بعض المكاسب الفئوية الضيقة.
يرى البعض، أن اختلال توازن القوى في المنطقة جعل أي اتفاق غير قابل للتحقيق، وهذا يدل على حجم القصور في الرؤى، وإلا فلماذا الذهاب مجدداً الى المفاوضات والتعتيم على ما يتم إعداده، والسؤال هل نحن بحاجة الى اتفاق جديد ليكون أوسلو جديدة؟ والسؤال أيضاً هل انعدمت الخيارات الأخرى؟ لماذا لا يكون هناك استراتيجية فلسطينية جديدة تعيد الاعتبار لخيار المقاومة وهدف التحرير، ألم نتعلم الدرس بعد؟! وهل يؤتمن الراعي الأميركي على قضيتنا الوطنية وهو الذي يعد العدة لضرب كل مقدرات القوة والمقاومة في أمتنا وكل همه الدفاع عن حليفه الإسرائيلي وحماية أمنه ومصالحه في المنطقة على حساب التضحيات التي قدمت من أجل فلسطين وقضايا الأمة جمعاء.
اليوم ما هو مطروح على المفاوض الفلسطيني، لا يتعدى أمران أحلاهما مرّ، وأمام خيارين لا ثالت لهما، أما البقاء في حكم ذاتي موسع على السكان الذين يعيشون في حوالي 40 % من مساحة الضفة الغربية وفقدان 60% من باقي مساحة الضفة، أو قبول حل انتقالي جديد “دولة ذات حدود مؤقتة” على 60% من الضفة دون القدس ويصبح المؤقت دائم بمرور الزمن وهذا لا يمكن لأحد أن يقبله، فلماذا العودة الى المفاوضات مجدداً؟