إن الإتهامات التي وجهت لسوريا باستخدام الأسلحة الكيميائية لها عدة أوجه، وما رافقها من تهديدات عاصفة وقرع طبول الحرب وسيناريوهات الضربة المحتملة حتى دون موافقة مجلس الأمن، وما الى هنالك من ألاعيب الإدارة الأميركية التي حاولت تأمين حشد دولي ومن عرب “الجامعة” لتوجيه ضربة تستهدف الجيش العربي السوري لم تأت بالنتائج المرجوة منها.
لغة التهديد والوعيد وما قيل عن عواقب الأمور هذه ذهبت أدراج الرياح بعد الكلمة التي وجهها الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمره الصحفي مساء يوم 31/8/2013، وتذرع بحاجته الى قرار من الكونغرس الأميركي لتوجيه الضربة ضد سوريا، هذا من الناحية النظرية، أما في المضمون، فإن حسابات الحقل لم تتطابق على حساب البيدر وعند لحظة الحقيقة، لم يفعلها باراك أوباما وبلع جميع تهديداته السابقة وفضّل الاستدارة وبسرعة هذه المرة لأن الأحداث تمضي متسارعة لغير ما يشتهي الحلف الاستعماري الغربي المتصهين بزعامة الولايات المتحدة ورئيسها باراك أوباما وهو الذي وجد نفسه وحيداً في الميدان بعد انسحاب حليفه البريطاني القوي كاميرون من الورطة المفترضة متذرعاً بقرار مجلس العموم البريطاني الرافض لاستخدام القوة دون قرار من مجلس الأمن وتوريط البلاد في تلك الحرب التي إن بدأت فلن تنتهي كما يريد مَن أطلق شرارتها، والسؤال الذي يتكرّر باستمرار لماذا تراجع الأميركي عن توجيه ضربته العسكرية ضد سوريا كما أعلن؟ يمكننا اختصار الإجابة بعدد من العوامل الأساسية:
أولاً: صمود سوريا ونجاح جيشها العربي في تحقيق نتائج هامة على الأرض، وبسبب الضربات القوية التي وجهها لعصابات الإجرام والمرتزقة في كافة أنحاء البلاد، وشلّ قدراتها على التحرك والقيام بدور فاعل فيما إذا تمّ توجيه ضربة أميركية غربية ضد سوريا.
ثانياً: إن متانة وصلابة محور المقاومة الذي تمثله سوريا وإيران و”حزب الله” وجميع قوى المقاومة في أمتنا بقي متماسكاً وجاهزاً لأي تطورات، والمواقف المعلنة من القيادة السورية بأنها سترد فوراً كان لها الأثر الكبير في إرباك صاحب القرار الأميركي الذي أدرك أن حليفته “إسرائيل” ستكون الهدف الأول للرد، هذا ما دفع الصهاينة أيضاً لإعادة حساباتهم وبأنهم سيدفعون الثمن هذه المرة، وحالة الإرباك التي سادت في صفوف العدو كانت واضحة للعيان وشبح الهجرة الإسرائيلية المعاكسة أقلق هؤلاء.
ثالثاً: الرئيس الأميركي باراك أوباما سينقل الملف برمته الى قمة العشرين لتقول كلمتها بعد أيام قليلة وهو الذي كان يرفض ذلك، وكان يفضل توجيه ضربة ضد سوريا أولاً، وفي تلك القمة سيجد أوباما مَن سيقول له، إن الحل السياسي هو الأفضل والأقل كلفة وعندها ستصبح الاستدارة الأميركية كاملة وواضحة، عندها فقط سيتمكن أوباما من النزول من أعلى الشجرة وسيكون المجال واسعاً للحديث عن مؤتمر جنيف 2.
محمود صالح