أتحفنا الصحافي ناصر شرارة يوم الأربعاء في جريدة “الأخبار” بمقالة أراد لها أن تستقطب القارئ اللبناني فعنونها برسالة مفادها أن الشوف وعاليه هما ملك خاص للأستاذ وليد جنبلاط ولا يمثلان نقطة في بحر “القصير”، غامزاً من قناة المعركة التي انتصر فيها حزب الله والجيش العربي السوري على التكفيريين من سوريين ولبنانيين وشيشان وألبان وخليجيين وغيرهم في “القصير” السورية.
عندما قرأت المقالة، لم أقرأ جديداً. فإن التدخل السعودي الاستخباراتي والضغوط السعودية لإقصاء فريق 8 آذار وعلى رأسهم حزب الله من السلطة التنفيذية اللبنانية ليست خافية على أحد، والدور الذي يلعبه الأمير بندر بن سلطان في الأزمة السورية واضحاً وضوح الشمس. أما أن يتمادى من خلال مقارنة الشوف وعاليه بالقصير، فهذا ما لا طاقة لنا به. إن الشوف وعاليه أكبر بمرات من القصير، أكبر بتاريخهما ودماء شهدائهما، أكبر بتعددية الانتماءات السياسية لبنيهما، أكبر بالتعددية الدينية لشعبهما، وأكبر بالعمالقة التاريخيين الذين أنبتتهما وتنبتهما.
إن الشوف وعاليه هما من كانا رأس الحربة في إسقاط إتفاق 17 أيار، أظن أنك كنت ما تزال رضيعاً سياسياً عندها ولكني أسألك أن تقرأ تاريخ بلادك كي تعلم. إن الشوف وعاليه كانا رأس الحربة في إنشاء لبنان الكيان والوطن والهوية. في أرض الشوف وعاليه كانت أول معركة عسكرية ضد الانتداب الفرنسي ودفاعاً عن حكومة الاستقلال الأولى، إقرأ عن بشامون في قضاء عاليه. ومن الشوف وعاليه سمعنا نبض الفكر العروبي العابر للطوائف والمذاهب والأعراق. وكانت الشوف وعاليه بارومتر السياسية اللبنانية لعقود وعقود. من الشوف وعاليه إنطلقت ثورة العام 1958، ومن الشوف وعاليه إنطلقت شرارة الانقسام السياسي اللبناني التي أدت إلى اندلاع الحرب. إن الشوف وعاليه هما قلب لبنان النابض وقلب التعددية الفكرية والسياسية والدينية، هما من حضنا العروبة وهما من حضنا الفينيقية فكانا انعكاساً حقيقياً لتضارب المواقف السياسية في لبنان. من الشوف وعاليه أتى فخر الدين وكمال جنبلاط ومجيد أرسلان وكميل شمعون، وكما استمر منهما وليد جنبلاط، استمر منهما طلال أرسلان وانبثق من قلبهما وئام وهّاب. إنهما أرض الشهادة لجميع اللبنانيين ومقبرة للغزاة على مر التاريخ وصولاً إلى المارينز والفرنسيين في تلة البرنس. إن الشوف وعاليه هما الأرض التي عبرت منها مقاومة الاحتلال الصهيوني للبنان وكانتا السند الاستراتيجي والأرض السياسية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمّول).
فلا أنت ولا من يقف وراءك ولا من يشد أزرك تستطيعون المس بكرامة وصلابة الشوف وعاليه، كما لن نسمح للأقلام المدسوسة كقلمك الكريم باختراع فتنة ليست في قاموس أهالي الشوف وعاليه. فإن كنت تشكو من سياسة وليد جنبلاط، فإن الشوف وعاليه ليستا وليد جنبلاط. إن في الشوف وعاليه مناصرين بالآلاف للقوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار المستقبل، كما فيهما مناصرين بالآلاف للتيار الوطني الحر. إن الشوف وعاليه هما الأرض السياسية المركزية للحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة طلال أرسلان (إبن شويفات في عاليه) وحزب التوحيد العربي برئاسة وئام وهاب (إبن الجاهلية في الشوف)، ناهيك عن الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني.
أما الاتفاق المركزي لزعماء الشوف وعاليه وتياراتهما السياسية والدينية المختلفة فيرتكز على السلم الأهلي وأن تكون المنطقة سداً منيعاً بوجه أي مشروع أو مؤامرة ضد المقاومة. نعم، نختلف بالسياسة حتى العظم، ولكننا لا نتواجه بالسلاح ولا نكفّر الآخرين ولا نستورد “المجاهدين” ولا نرفع أصبعاً بوجه الشرعية كما في القصير. نعم، الشوف وعاليه أكبر بأشواط من القصير، باستيعابهما جميع الأحزاب والأديان، فهناك العشرات من المكاتب الحزبية المتعددة والمختلفة بما فيها حزب الله وحركة أمل، وتنتشر فيهما العشرات من الكنائس المارونية والكاثوليكية والأورثوذكسية والإنجيلية بالإضافة للعشرات من المساجد السنية والشيعية، ناهيك عن مقامات وخلوات ومجالس الموحدين الدروز.
إن من يحمي الشوف وعاليه هم أهاليها وعيشهم المشترك، أما عسكرياً، فيحميها الجيش اللبناني؛ فهل الرسالة التي ذكرت في مقالتك قصدت فيها أن المقاومة تريد مقارعة الجيش اللبناني في الشوف وعاليه؟ إن الكتّاب أمثالك الذين يستخدمون تعابير “وصلت نصائح” و”في أوساط” هذا الفريق أو ذاك، هم من أعطوا الصحافة الصفراء لونها. ومن الآخر: “أوساط 8 آذار” التي تكلمت عنها تضم حزبين مركزيتهما في الشوف وعاليه وهما حزب التوحيد العربي والحزب الديمقراطي اللبناني، كما تضم أحزاب وتيارات لها شعبيات كبرى في الشوف وعاليه كالحزب السوري القومي الاجتماعي والتيار الوطني الحر؛ ناهيك عن قيادات الجيش اللبناني كرئيس الأركان (إبن دير قوبل في عاليه). وأنا بصفتي عضواً في حزب التوحيد العربي، أتحداك ومن وراءك بأن تبرهن عن صغر الشوف وعاليه بنفسك، لا أن “تتمرجل” برجولية الآخرين… شتّان بين قلمك المدسوس ومقابلة السيد حسن نصر الله ليل الخميس، شتّان بين الناعق والمقاوم، شتّان بين صاحب الوعد الصادق إبن جبل عامل توأم جبل لبنان وبين الغارق في حبر الفتنة والمتلطي بالورق الأصفر… شتّان بين المارد والقزم.
شتّان بين الشجاع والجبان، شتّان بين من استشهد في القصير دفاعاً عن حرية التعبير والحرية الدينية والسياسية في لبنان، وبين من يستغل دماء الشهداء لإثارة النعرات والعمل لصالح الفتنة. إيّاك ومعاودة الكرة، فللشوف وعاليه القدرة على قطع الألسن… كذلك!
**