من الواضح ان الرئيس رجب طيب اردوغان قد فشل في الحفاظ على مروحة علاقات بلاده غرباً وشرقاً وإقليمياً وإسلامياً، فضلاً عن سوء إدارة شؤونها الداخلية، وهذا ما جاء «الربيع العربي» يكشف عنه لتظهر صورة اردوغان مهتزة في ميدان “تقسيم” .
رغم توافق الدول الكبرى مثل روسيا وأميركا، والاتحاد الأوروبي والصين على محاربة الإرهاب الذي يشمل أهم الحركات الإسلامية المتطرفة، مثل “تنظيم القاعدة” و”جبهة النصرة” وغيرهما من الحركات التكفيرية ، ، ظل اردوغان بنظر العديد من العرب والمسلمين النموذج الساطع بحكومته الإسلامية كوجه إسلامي غير متحضر بين الدول العربية والآسيوية والأوروبية، من خلال لعبه دورا استراتيجياً في مشروع “الاخوان المسلمين ” الى جانب الروابط الأمنية التي تجمعه مع حلف “الناتو” كعضو أساسي استطاعت تركيا من خلاله أن تلعب على مدى عقود دوراً عسكرياً مهماً في خدمة “اسرائيل”، وتعزيز وجودها في المنطقة.
ما يحدث الآن من “ثورات” واهتزازات في عدد من البلدان العربية لم يستطع اردوغان أن ينأى عنها، رغم زعمه الدائم باعتدال حزب التنمية والعدالة الذي يمثله أردوغان في حكومته والذي صد التظاهرات بقوة في ساحة «تقسيم»، تخوفاً من استغلال الدول المجاورة للأحزاب المناهضة له، وتحويلها إلى “ربيع” آخر، مما جعله ينزلق في حفرة الارهاب والتنكيل والعنف التي هزت صورته كنموذج معتدل أمام الدول الأوروبية والأميركية والروسية، وجعلهم يتخذون الحيطة والحذر من تحول نظام تركيا الديموقراطي إلى نظام شبيه بحكم “الإخوان المسلمين” في مصر، خصوصاً بعد استباقه الأمور باحتضان تلك الثورة، ودعمها من باب طموحه للتفرد بقيادة جماعة “الاخوان” في المنطقة.
إن خطأ أردوغان يتمثل بعدم قدرته طيلة سنوات حكمه في تأسيس نهج حضاري متواز مع كل طبقات الشعب المتعدد الأديان والأعراق والمعتقدات، ورهانه الدائم على فوز الأكثرية المتسلطة على حساب الأقليات الموجودة في وطنه، مما أوقعه في شرك المتظاهرين الاتراك في ميدان “تقسيم” الذين يرفضون تورط بلادهم في دعم المعارضة في سوريا والإخوان في مصر وتدخلهه في إسقاط ليبيا، في حين شكّلت حكومة اردوغان شريكاً أمنياً واقتصادياً ل “اسرائيل” الأمر الذي جعل الشعب التركي يعيد حساباته في مستقبل البقاء على حكم اردوغان الذي رأس حكومة بلادهم على مدى أكثر من عقد، وهو يناور اليوم للتجديد له في الفترة الانتخابية المقبلة، وهو طموح اقل ما يقال عنه بأنه دكتاتوري الحكم بمحاربته كل من يخالف رأيه في الداخل بادعائه تخوفه من تقسيم بلاده إلى مذاهب وكانتونات طائفية وعرقية.
من الطبيعي أن يقر اردوغان بأن المنطقة بمجملها تتغير نحو الفوضى، بدءاً من تغيير أنظمة وتبديلها بنزعات تحررية ولا يستطيع اردوغان أن ينأى عن هذه التغيرات مهما حاول ردعها بالقوة أو بالإصلاحات الثانوية، إن لم يقم فعلياً بإصلاحات جذرية تحتوي غضب الشارع التركي ، وهذا ينطبق أولاً على حزب التنمية والعدالة الذي ينتمي اليه باستعادة نموذجه الديموقراطي والإصلاحي، وإفساح الساحة الانتخابية لغيره من الاحزاب التركية الاخرى ، لينأى ببلاده عن “الخريف العربي” ، ويكون السباق في التأكيد على مصداقية بلاده كبلد منفتح سياسيا واقتصادياً واجتماعيا ، وشريك سياسي موثوق به، وإلا سيعرض تركيا لتلك الفوضى التي ستجرها نحو الحروب الأهلية التي ستتكبد الدول من خلالها الخسائر الاقتصادية والنفطية التي ستعم المنطقة بمجملها، إن لم يسع بجدية لاستقرار المنطقة وإنهاء أزماتها وعدم التورط بأحداث سوريا ومصر بأقرب فرصة ممكنة.
^