بدأت عملية ما يسمى “المفاوضات” من جديد بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني بعد ضغوط أميركية وأوروبية لافتة، والغريب في هذه المفاوضات هو سقف توقعات نجاحها وهو يقارب الصفر، وهناك شبه إجماع لدى أطرافها كافة بأنها لن تثمر كما يشتهي أصحابها، والعملية بحد ذاتها هي فرصة لانتزاع تنازلات جديدة من الجانب الفلسطيني تتوافق مع حالة الانحدار والتردي التي أصابت الجانب الرسمي العربي بعد موجة الأحداث التي عصفت بالمنطقة، والخاسر الوحيد هو الجانب الفلسطيني الذي أجبر على العودة الى تلك المفاوضات الواهمة، وإلا فإن مساعدات الدول المانحة لعملية ما يسمى السلام ستقطع حتماً، واللافت أيضاً هو الرعاية الأميركية لتلك المفاوضات التي يصح القول عنها، إنها مجرد مسرحية أميركية هدفها الإستفادة القصوى من ثمار الهجمة الاستعمارية والحرب الكونية التي تشن على أمتنا بهدف إضعافها وإخضاعها وجعلها مناطق نفوذ أميركي – صهيوني، وحتى ينجح هذا المشروع لا بد من استمرار الحالة الراهنة التي تشكل الاستثمار الأمثل لكل أعداء أمتنا.
أحد أهداف المفاوضات التي تجري برعاية أميركية، هي إجبار الجانب الفلسطيني للتنازل عن حق العودة وانتزاع صفة لاجئ عن أبناء الفلسطينيين الذين هجروا عن فلسطين إثر نكبة 1948، وكذلك عن الفلسطينيين الذين نزحوا من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية إبان حرب 1967 وفي السنوات اللاحقة.
الجانب المعلن من تلك المفاوضات يتحدث عن بند الأمن والحدود، ويهمل ملف الاستيطان الذي أصبح أمراً واقعاً كما يرى الصهاينة والراعي الأميركي وما الحديث عنه إلا من باب الدعاية والتعمية لأن الاستيطان متواصل بقوة ويتضاعف باستمرار، والعدو الصهيوني يطالب بتفعيل التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وما أدراك ما هو التنسيق الأمني بالمفهوم الصهيوني؟ أما الحدود فالعدو يرفض الإعتراف بأن حدود عام 1967 هي أساس التفاوض ويتحدث عن الكتل الاستيطانية والقدس وغور الأردن وغيرها من مناطق لا يقبل أي نقاش حولها.
والسؤال، لماذا التفاوض من أساسه؟ الجانب الفلسطيني أجبر على العودة الى المفاوضات وذهابه إليها سيختلف عن إيابه، مطلوب منه أن يدخل في صلب القضايا الأساسية، قضية اللاجئين التي هي جوهر الصراع، ومن هنا بدأت مساعي الخارجية الإسرائيلية في الأمم المتحدة وبدعم أميركي لتغيير الصفة القانونية الخاصة بتعريف اللاجئين الفلسطينيين، ويتم التسويق أن العقبة في وجه عملية السلام هي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وانتقد ممثل الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة رون بريسور سياسة وكالة الأونروا التي تسمح بنقل هذه الصفة للاجئين الفلسطينيين وأطفالهم.
والجهود في الولايات المتحدة منصبة لصياغة تشريعات جديدة تتعلق بملف اللاجئين، وهناك إجماع بين الأطياف الإسرائيلية إزاء مستقبل اللاجئين على أساس أنها قضية جوهرية لكن كيانهم غير مسؤول عن بروزها وتبعاتها السياسية والقانونية والإنسانية ويكمن الحل حسب الخطاب الصهيوني بتوطين اللاجئين في أماكن استضافتهم أو إعادة تهجيرهم الى دول عديدة.
الأخطر في المفاوضات، أنها تدور حول قضية أساسية، تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين تحت مسميات جديدة تصاغ في دوائر دول الغرب الاستعماري، تبدأ تلك التصفية بوضع جميع القرارات الدولية جانباً وتغيير المرجعيات بما يخدم المخططات الأميركية، الغربية المتصهينة، بعيداً عن مصالح الشعب الفلسطيني.
إن قضية اللاجئين تعتبر من أهم القضايا، وهي أساس الصراع الدائر، وهي تطال النسبة الكبرى من الشعب الفلسطيني وكذلك 78% من مساحة فلسطين، وهي قضية تواجه مخاطر جمة لجهة تصفيتها، وعلى المفاوض الفلسطيني أن يعي حقيقة ما يُدبّر له.
نحن أمام ورقة أساسية وهي الأساس الذي يرتكز عليه شعبنا الفلسطيني وأجياله لتبقى القضية حية لا تموت رغم كل الظروف والتحديات الماثلة.
محمود صالح