“ مكانك راوح”، هكذا أصبح حال المجلس النيابي الذي منذ التمديد له لم يقوَ على عقد جلسة واحدة، ولا تبرير مقنع للتأجيل، كل ما في الأمر أن المقاطعة كانت تتمّ إما بسبب عدم دستورية المجلس وفق “جهابذة” تيار المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار، وإما بسبب بعض القرارات المتعلقة بالتمديد للقيادات الأمنية وفق تيار “التغيير والإصلاح” الذي يعتبر أن التمديد للقيادات الأمنية يسيء إليها ويحط من قدرتها على استكمال دورها في الحفاظ على السلم والأمن الضروريين باعتباره أن التمديد للقيادات الأمنية يعني أن “سوسة” السياسة التي شلت المؤسسات بدأت تنخر العامود الفقري للمؤسسات الأمنية ما يشل هدفها وعقيدتها، ما أدى الى تعميم الفوضى على كافة الصعد وخصوصاً على الصعيد الأمني عكسه فشل المشروع الأميركي – الغربي – الخليجي في تحقيق مكاسب في سوريا، فكانت حادثة عبرا ناقوس خطر الفوضى الذي دُقّ في لبنان، ما اضطر المؤسسة العسكرية لوضع النقاط فوق الحروف وتوجيه الأنظار الى ما قد يتعرض له لبنان في ظل الهجمة الكونية على سوريا والمنطقة، والذي زاد من وتيرتها انتصار القصير الذي فاجأ الجميع وما تبعه من انتصارات وتشتت للمعارضة السورية، ما دفع بالاتحاد الأوروبي، تحت ضغوطات إقليمية أو عربية أو محلية أو من اللوبيات وبالتحديد من “إسرائيل”، الى إصدار القرار 714 القاضي بوضع “حزب الله” بـ “جناحه العسكري” على لائحة الإرهاب، وفيه صار الجناح العسكري للحزب على “لائحة الأشخاص، الفرق، الوحدات المشار إليها في المادة الثانيّة، الفقرة الثالثة من قرار رقم 2580/2001، في لائحة الإرهاب الأوروبية الذي ينص على تجميد الأموال، والمصادر الاقتصاديّة والماليّة، حيث اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عند صدور القرار بأنه انتصار للديبلوماسية الإسرائيلية، ما يعني أن “إسرائيل” قد مارست نفوذها من أجل إصدار هذا القرار الذي يعني الكثير لها بعد الهزيمة التي منيت بها عام 2000 على يد المقاومة الوطنية اللبنانية عندما انسحبت من الأراضي اللبنانية المحتلة، وعام 2006 عندما لحقت بها هزيمة أخرى ولم تستطع بعد 33 يوماً أن تحقق الانتصار وتقضي على المقاومة.
فإدراج الجناح العسكري لـ “حزب الله” على قائمة المنظمات الإرهابية بعد عجز مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة من تحقيق ذلك، والذي ليس سوى حفاظ لماء الوجه أمام الولايات المتحدة بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بدول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يبرره تأكيد الأوروبيين عبر سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان أنجيلينا إيخهورست على استمرار العلاقات السياسية والتواصل السياسي مع “حزب الله” وأن تلك العلاقات ستبقى قائمة، كما أكّد مبعوث الاتحاد الأوروبي مارك أوتي خلاله زيارته لبنان ولقائه الأطراف السياسية ووزير الخارجية اللبنانية عدنان منصور أنه مع حكومة يتمثل فيها “حزب الله”، ما يثير التساؤل حول كيف يؤيد الأوروبيون حكومة ويتعاونون معها وهي تضم في صفوفها وزراء لـ “حزب الله” بينما الجناح العسكري لهذا الحزب على لائحة الإرهاب؟ ما يدل على أن الإتحاد الأوروبي رضخ في قراره لمطلب إسرائيلي قديم وضغوطات أميركية ملحة وتدخلات عربية ولبنانية تتصل بالمشكلة الدائرة في سوريا ومحاولة جرها الى لبنان للقضاء على المقاومة وسلاحها.
فعوض أن يبحث النقاش الداخلي اللبناني في خلفيات القرار الأوروبي، ارتفع السجال على أساس سطحية الانقسام الداخلي من دون أيّ استشراف لمستقبل الأوضاع، وهذا السجال فرض نفسه على تعطيل النصاب في مجلس النواب في جلسته التي كانت مقررة اليوم، غير آبهين بنتائج التعطيل الذي قد يدفع البلد الى الفراغ وبالتالي الى الفوضى، بعد إطلاق النار على أهم مؤسسة وطنية جامعة ألا وهي الجيش من خلال التمديد لقائد الجيش جان قهوجي وقبله عبرا وغيره من الأحداث الأمنية في البقاع وعكار وطرابلس.
تعطيل مجلس النواب وتعطيل عمل المؤسسات، عدم تأليف حكومة والفراغ في بعض مؤسسات الدولة، هذه أمور خطيرة تأخذ البلاد الى المجهول في ظل غياب الحوار والحكومة، لذلك التنازل لا يكون على حساب الدستور أو على حساب مؤسسة، ولكن في هذه الأيام ربما المطلوب هو “الستاتيكو” المرشح للبقاء في لبنان من خلال حكومة تصريف الأعمال المستمرة في عملها، وتكليف للرئيس سلام، والمحاولات ستبقى في إطار المراوحة، الى حين بروز عوامل داخلية وإقليمية تحتم التشكيل.
حتى الآن لا تشكيل للحكومة قبل انتهاء الوضع الراهن في سوريا، ولن يكون هناك حكومة من دون “حزب الله”، و”حزب الله” ليس في وارد التراجع عن تدخله العسكري في سوريا، حتى أن القرار الأوروبي إدراج الجناح العسكري لـ “حزب الله” على لائحة الإرهاب عقّد تشكيل الحكومة أكثر مما كانت التعقيدات قائمة.
فبالرغم من سوداوية المشهد، وليس في الأفق ما يُشير إلى أن الظروف ستميل إلى التحسن ولو النسبي، ومع ذلك فإن ما يدعو إلى الإستفزاز هو أنه على رغم كل هذه الأوضاع المزرية فإن المسؤولين في البلد يتصرفون وكأن الدنيا بألف خير:
تُتَّخذ إجراءات وقرارت من دول مجلس التعاون الخليجي وفي دول الاتحاد الأوروبي، ويصل عدد النازحين السوريين إلى لبنان إلى قرابة ثلث عدد سكانه، فلا يحرَّك المسؤولون ساكناً ليتعاملوا بجدية مع هذه المخاطر من خلال الإسراع في تشكيل الحكومة، أو على الأقل الإلتفاف لإنجاح انعقاد مجلس النواب في موعده الجديد 20 و21 آب المقبل.
ليديا أبودرغم