أسبوع يفصلنا عن موعد تحديد انعقاد جلسة مجلس النواب الثالثة بعد تأجيل انعقاد الجلسة الثانية حيث اكتمل نصاب تلك الجلسة إنما خارج القاعة العامة، والسبب استمرار المقاطعة النيابية من جانب “تيار المستقبل”، و”تكتل التغيير والإصلاح”، كل لأسبابه: الأول لعدم دستورية الجلسة، والثاني رفضاً لبند التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي رُبط تمديده بالتمديد للواء أشرف ريفي، الذي رفضت قوى 8 آذار التمديد له وأعلنت جهارة عن موقفها من هذا القرار معتبرة أنه ليس من المناسب عودة المدير السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعدما أصبح يمارس السياسة ودعمه لتنظيمات مسلحة في طرابلس.
ففي ظل الاصطفافات الراهنة التي إن دلت على شيء، فعلى عمق الهوة التي تفصل بين اللبنانيين والقيادات السياسية في البلاد، وأن الظروف والمعطيات التي دفعت المقاطعين الى المقاطعة مرة جديدة لم ولن تتغير، أضف الى أن باب الوصول الى اتفاق حول تشكيل الحكومة لا يزال “موارباً” وليس مقفلاً تماماً، وبالتالي الكرة لاتزال في ملعبي كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تمام سلام: فبعد رفض “تيار المستقبل” والى جانبه حلفاؤه في قوى 14 آذار مشاركة “حزب الله” في الحكومة، برزت مواقف متقدمة للحزب و”التيار الوطني الحر” تعيد الحرارة الى التحالف المهتز داخليا: إذ كما يرفض الحزب التوزير من دون حليفه العماد ميشال عون، يشترط عون وجود الحزب الى جانبه في أي حكومة عتيدة. هذا كله قبل الغوص في الحصص والمداورة وشكل الحكومة، وهي الألغام الموضوعة في طريق رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، والمغلفًّة بالنيات الحسنة والدعوات الى التسهيل، والتي لم يتلمس منها سلام حتى اليوم شيئاً على المستوى العملي، وهو الذي قال: “دعموني في التكليف وتركوني في التأليف“.
وترى الأوساط المراقبة أن الملف الحكومي سيظل في دائرة المراوحة راهنا، وأن هذه المراوحة ستنسحب أيضاً على الاستحقاق الآخر الداهم والمتمثل بمسألة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي المطروح في جدول أعمال الجلسة العامة، والذي دخل صلب الأزمة السياسية إن على خلفية الأزمة القائمة حول دستورية الجلسة العامة أو على خلفية محاولة “تيار المستقبل” تحقيق مكاسب من خلال ربط هذا الملف بإعادة طرح ملف اللواء أشرف ريفي، ما سيطيح بالجلسة وبالتالي ملف التمديد لقهوجي الذي ستنتهي مدة ولايته في أيلول المقبل، ما قد يعرّض المؤسسة العسكرية الى الفراغ وهو ما يسعى إليه العديد من القوى السياسة ومنها قوى الـ 14 من آذار لتحقيق أهداف سياسية وإملاءات خارجية ومن أولوياتها تشكيل حكومة دون “حزب الله”، بحجة أن لبنان ليس بحاجة الى حكومة سياسية بل الى حكومة تتطلع الى شؤون المواطن اللبناني وهذا من المستغرب والمستبعد إذ لم تهتم أي من الحكومات المتعاقبة يوماً بالشأن الاجتماعي والمعيشي للشعب اللبناني وهي تأتي اليوم لتحقيق مصالح شخصية مدعومة بإملاءات خارجية لتقضي على مشروع المقاومة بعد تمكن الأخيرة من التصدي للعدوان الصهيوني ولأي مشروع غربي – أميركي يهدف الى أسرلة لبنان ووضعه في كنف الإدارة الأميركية حماية لأمن “إسرائيل” ومصالحها في الشرق الأوسط، وهذا ما اكّدته تصاريح وخطابات التحريض التي كان يطلقها العديد من قوى الـ 14 من آذار من خلال إدانتها لـ “حزب الله” بأنه هو مَن أدخل لبنان في مستنقع الأزمة السورية متناسين أن أول مَن أدخل لبنان هو “تيار المستقبل” من خلال مد المعارضة السورية بالمال والسلاح، أضف الى أن أحداث عبرا الأخيرة أفشلت أيضاً مخطط قوى 14 آذار في شل المؤسسة العسكرية وتحييدها عن عقيدتها الأساسية وهي التي ترى أن العدو الأول والأخير هو “إسرائيل” وليس المقاومة وسلاحها، فكانت حادثة عبرا الورقة الأخيرة، لذلك تتجه تلك القوى (14 آذار) اليوم الى مقاطعة الحكومة علها بتلك المقاطعة تخرج “حزب الله” من الحكومة ويساندها في ذلك بعض التوجهات “العربية” التابعة للمشيئة الأميركية، إلا أن ذلك سيبقى حلماً بعيد المنال بعد اللقاء بين الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله ورئيس تكتل “التغيير والإصلاح” الذي ظنّ البعض أنه لن يتمّ بهذه السرعة بسبب الاختلافات بوجهات النظر وبالرغم من تأكيد العماد عون من جهة، ومسؤولي “حزب الله” من جهة ثانية، مواقفهما من العلاقة الاستراتجية الثابتة ومن التمايزات الإجرائية بينهما، المتعلقة بالحكومة وبعض الملفات ومنها التمديد لمجلس النواب ولقائد الجيش جان قهوجي لأن بنظر العماد عون التمديد يلحق الأذى بالمؤسسات الرسمية ويقلل من شأنها، والتي وجدت طريقها الى الحل عند لقاء السيد نصرالله والعماد عون، الذي كانت نتيجته إيجابية وستظهر عملياً على الأرض لجهة تأليف الحكومة واللجان البرلمانية والهيئة العامة للبرلمان وفق ما أكّدته مصادر سياسية في تكتل “التغيير والإصلاح“.
ما بين الشروط والشروط المضادة، تستمر حال المراوحة منذرة بالمزيد من التصعيد والفراغ في المؤسسات، ما سيعمق الشلل والتراجع وصولاً الى حال الإنهاك التام التي ستنسحب على القوى السياسية في انتظار بلورة ملامح تسوية تجر الجميع الى الجلوس الى الطاولة.
في تقدير العارفين، ووسط ارتفاع سقوف الشروط والشروط المضادة، تبدو الاحتمالات الحكومية محصورة بثلاثة مسارات: إما اعتذار الرئيس المكلّف، وإما إعلانه تشكيلة قد تواجَه بفيتو من “حزب الله” والرئيس نبيه بري، ومعهما العماد ميشال عون، وإما ستاتيكو “طويل العمر” لتأليف مستعص وتصريف أعمال غير مسبوق في مدّته، وربما يمتد إلى 2014.
ليديا أبودرغم