لا تخبو حالة الانفلات الأمني المتنقلة في عدد من المناطق اللبنانية والمتابع لمسلسل التوترات الامنية المباغتة التي تضرب من حين إلى آخر كل من طرابلس وعرسال واخيرا صيدا ، يتأكد أن المحظور قد بدأ فعلاً، ولم يعد هناك ما يمنع انفجار الأوضاع على نطاق أوسع .
ويستنتج من تصريحات المسؤولين في حكومة تصريف الاعمال ومختلف الأجهزة الرسمية أن هناك أمراً خطراً يزحف ببطء، فيما تغيب الوصفات المطلوبة لتجاوزه أو امتصاصه فيما تسير بعض الاحزاب والأطراف السياسية خلف مآربها الضيقة وأهدافها السلطوية من دون وجود مرجعية تجمع على هدف واحد .
الايام القليلة الماضية كانت الأصعب على اللبنانيين ، ففيها تم القضاء على حالة الاسير التكفيرية في صيدا ،وفي الفترة نفسها استمرت الاعتداءات الارهابية على الجيش في عرسال ، وقبلها الاشتباكات الأعنف والأدمى على الإطلاق في طرابلس .
وبينما يوحي الهدوء الفاصل بين توتر وآخر بأن هناك مشاورات بين الاطراف المعنيين أو إعداد لمبادرة وطنية جامعة تستأصل الأزمات من جذورها، تكون المفاجأة أن لا شيء من ذلك التخمين صحيح، وربما يكون ذلك الهدوء هو تمهيد لفعل أعنف وأكثر إيلاماً من سابقه .
الأخطر من كل ذلك والأشد قسوة على اللبنانيين هو حالة الانتظار الطويلة لمرحلة ما بعد الفلتان الأمني التي لا تريد أن تنتهي . وهذه المرحلة لا تلوح لها نذر نهاية بعدما فشل الرئيس المكلف سلام تشكيل حكومة من احزاب وقوى بحسب الاوزان السياسية في البلد ، إضافة إلى استفحال الخطاب المذهبي الفتنوي الذي سيظل وقوداً سريع الالتهاب عند أي خلاف أو احتكاك .
الازمة الداخلية مهما اشتدت وطالت لا بد لها من حلول، وسبب الجمود السياسي الذي يخيم على لبلد منذ أشهر طويلة هو استعصاء التوافق على مختلف الاستحقاقات الوطنية بدءا من عدم التوصل الى اقرار قانون جديد للانتخابات والتمديد لمجلس النواب الحالي فضلا عن عدم الاتفاق بعد على تسمية قائد جديد للجيش او التمديد للعماد قهوجي.
ولكن اذا بقي كل طرف يرى طرحه هو الأجدر بأن يسود على سواه فحتما هذا ا المنطق سوف ينسف كل فرص التقارب بين الأطياف جميعها .
والمفترض أن لبنان الذي طالما تغنى بالديمقراطية والحريات والتداول السلمي للسلطة ، عزت في دول أخرى، تتوافر له فرصة نجاح باهرة للتخلص من نظامه البالي ، ولكن يبدو أن القراءة لم تكن صحيحة من بدايتها، وهنا تكمن المصيبة .
^