وأطل الخلد من “بخشه” يتلمس بعض النسيم بعد أن عاث فساداً بشروش مزروعات الوطن، فأحس بالناطور متأهباً، فقام بغباء بالهجوم عليه يريد قضمه، ظاناً أنه من قوارض التربة المظلمة. ولكنه، هاله أن يكتشف أنه ناطور الإشعاع ومارد الوطن وحامي حمى الأعراض والحارس الأبدي للأرز الخالد. وكعادة الناطور المتأهب، تم سحق هذا الخلد ويتم الآن هدم أنفاقه المحفورة بين جذوع أزاهير الوطن بألوانها وثقافاتها وتنوعها وغناها.
بإسم الدفاع عن الدين قام أحمد الأسير بالتسلح، وكردة فعل على ما ظنه تهجماً على أم المؤمنين، صاح وصرخ وجيّش غرائز الصغير والكبير. ومن بستان الفنون تبعه فضل شاكر، ودفاعاً عن “قداسة” الأسير توعّد الدولة والقضاء. إحتل الأسير دوار بلدة البرامية (قريتي) ودفن فيها قتيلين من “مجاهديه”… أي دفنهما في الشارع وكأني بهما بقايا “أولاد شارع”. ورفض دفن رفات مواطن صيداوي سني في مقبرة عائلته لأنه كان يحارب مع حزب الله في القصير. ناهيكم عن قطع الطرقات وإطلاق الوعيد والتهديد وكيل الشتائم والتهجم على كل ما يتحرك في لبنان. وعندما أرادت القيادات الأمنية اتخاذ الإجراءات المناسبة، تدخل أهل السياسة وفاوضوا قاطع الطريق بدل من أن يقطعوا دابره؛ كل ذلك “حماية للسلم الأهلي” كي لا “يجرحون” مشاعر من يدافعون عن “كرامة العمامة”. عندها ظن الخلد نفسه طاووساً وأراد نفش وبره ريشاً فكان الغدر. و”توقفت لغة الكلام” وانتفض جيش الوطن بهمة شجعانه ليدوس رأس ما ظنه كلباً، فإذا به خلداً يتلمس طريقه في الأنفاق ولا يرى نوراً ولا يفقه بالنهار.
أما بالنسبة لدوار البرامية، فحسرتي على قريتي التي أصبحت ملطشاً لقوارض التراب وسقى الله أيام الرجال الرجال. وعبرا التي بدماء الأبطال قامت وبقيت، ها هي تدنسها قاذورات المجرمين يريدون تلويث دماء شهدائها بالغدر بأبطال الأرز والوطن. أما أهل العمامة و”نوابهم”، فقد اجتمعوا وتناقشوا وقرروا وقف إطلاق النار والتوصل إلى “حل سياسي” والتوقف عن “قصف المدنيين من الطرفين” وفتح تحقيق بـ”الحادث”. يا للوقاحة! يا للنذالة! يا للعهر! وقف إطلاق نار بين من ومن؟ بين العصابات والجيش اللبناني؟ حل سياسي؟ عن أية سياسة تتكلمون؟ قصف من الطرفين؟ هو قصف من المجرمين على لبنان… الجيش هو كل لبنان أيها الناهقون. وعن أي حادث تتحدثون؟ وتحقيق على من؟ إقلعوا عنكم ثوب الوطن وانزعوا عن وجوهكم قناع اللبنانية واستبدلوا الأرزة في هوياتكم بالعمامة. فإن كانت كرامة عمائمكم تتقدم على كرامة أرزنا، سندوسها بجزم جيشنا… وإذا انجرح شعوركم، “ألصقوه ببلاستر بطيب”.
وهنا يطيب لي المقارنة بالقصير في حمص السورية. الجيش العربي السوري من جميع الأطياف والمناطق السورية، بينما “الثوار” يقاتلون – نعم هم ليسوا مدنييين، هم مقاتلون مدججون بالسلاح والعتاد – بإسم الدين. نراهم في إعلامهم هم لا في إعلام النظام، بأسماء “ألويتهم” وتكبيرهم وهم يقصفون ويفخخون ويعدمون الناس. علماً أنه في سوريا الجيش هو رمز وحدتهم كما جيشنا رمز وحدتنا. ما هو يا ترى شعور أمهات شهداء الجيش السوري عندما يتم قتلهم بإسم الدين؟ ما هو يا ترى شعور أمهات شهداء الجيش الوطني اللبناني عندما يقتلون أبناءهن بإسم الدين؟ لماذا قام المجرمون بالاحتماء بالمدنيين من نساء وأطفال وعجز ورجال بوجه الجيش اللبناني؟ حتى يقال أن الجيش اللبناني يقتل المدنيين عامة و”أهل السنة والجماعة” خاصة؟ أليس السيناريو واحد في عبرا والقصير؟ الفرق الوحيد أن عبرا انفجرت من جراء تراكم تخاذلات الطقم السياسي “خوفاً” على السلم الأهلي و”احتراماً لكرامة العمامة”. وهناك فرق آخر ايها المنافقون الذين تدعون العفة والتدين، إن الجيش اللبناني هو أشرف جيوش العرب. فهو الجيش الوحيد الذي لم “يحتل” دولة عربية واحدة، وهو الجيش الوحيد الذي لم ولن يكون ذراعاً قمعياً لنظام سياسي، وهو الجيش الوحيد الذي لم يعتدى على طرف أو جهة أو مجتمع على مر تاريخه.
وهنا أتوجه إلى الـ”كلاس” من أهل الاقتصاد و”صالونات” السياسة في لبنان الذين يتحفوننا يومياً بإحصاءات عن حجم الخسائر الاقتصادية من جراء تدخل حزب الله في سوريا وقرار إبعاد اللبنانيين من صحراء العرب وتحذير مواطني الصحراء من السياحة في لبنان، فأسألهم، ماذا عن مال نفط الصحراء في تمويل “أهل العمائم” الذين يدمرون وطننا ويقتلون إنساننا؟ هل سترسل يا فخامة الرئيس مذكرة إلى مجلس الأمن الدولي تشكو تدفق السلاح والأموال “الخليجية” لـ”ذبح” الجيش اللبناني؟ أم تخاف على “مصالح” بضعة آلاف من اللبنانيين عندهم؟ أم تخاف أن “يغضب” منك شيوخهم وأمرائهم ورعاة إبلهم؟
فإن كنتم تقتلون وتتسلحون بإسم الثالوث الأقدس أو الحدود الخمسة أو الأركان الخمسة أو أمهات المسلمين أو آل البيت، فحيفي على أديان تحتاج لأمثالكم (وأمثالي) كي تدافع عنها. وإذا كنتم تنتخون دفاعاً عن كرامة إله في السماء، فحيفي على إله يحتاج لأمثالكم (وأمثالي) لقتل إنسانه كي يستمر ويشمخ. لن نسمح لكم بأن تستمروا في قتل لبنان بمذاهبكم ولن نسمح لكم بأن تعيثوا في لبنان الدمار بآلهتكم… فلبنان أعرق من جميع آلهتكم. إن قطرة دم واحدة من جندي الجيش اللبناني – لأي طائفة انتمى ومن أي منطقة أتى – ودمعة واحدة من أم لشهيد في الجيش اللبناني – من أي طبقة اجتماعية أتت ولأي فئة عمرية انتمت – تساوي مال النفط كله ومصالح اللبنانيين جميعهم وأديان السماء وآلهتها جمعاء… “لكم لبنانكم ولي لبناني”!
**