صادمٌ كان خبر القصف الجوي الإسرائيلي لقطر. صحيح أنّ ملاحقة إسرائيل واستهدافها لقيادات حركة «حماس» ليس جديداً وهو متوقع في كل لحظة، خصوصاً بعد عملية «طوفان الأقصى». إلّا أنّ حصول ذلك على الأراضي القطرية شكّل المفاجأة المدوّية. وهو ما يدفع إلى التساؤل عن الأهداف الفعلية التي أرادها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من اختياره للمكان، وأيضاً لاعتماده هذا التوقيت بالذات.
وكان ملفتاً أن يسارع نتنياهو إلى تبنّي العملية التي حصلت في وضح النهار، وبعد فترة قصيرة على حصولها. وقد يقول البعض إنّ لجوء إسرائيل إلى غارات جوية قد يكون بسبب عدم قدرتها على تنفيذ ضربتها عبر خرق بشري ميداني وبأساليب أمنية، لكن تبنّي نتنياهو العملية بسرعة لافتة وبأسلوب فيه شيء من الإحتفالية، يدفع إلى التمهّل في قراءة الخلفيات الحقيقية لما جرى. صحيح أنّ نتنياهو حاول القضاء على ما تبقّى من الجسم السياسي لقيادة حركة «حماس»، لكن الجميع يعرف أنّ التركيبة العسكرية هي الأهم في الظروف الحربية الحالية، والإجتماع المستهدف لم يكن يضمّ أي كادر عسكري مؤثر. لذلك فإنّ الإنطباع الأول تركّز حول أنّ نتنياهو كان يريد القضاء على المجموعة المفاوضة لحركة «حماس». أي أنّه كان يريد الإجهاز على أي فرصة تفاوضية لمصلحة الإبقاء على الخيار العسكري فقط. وقد يكون هذا الإستنتاج صحيحاً. فالحكومة اليمينية التي يترأسها نتنياهو تحمل مشروعاً أكبر وأبعد من مفاهيم الحرب المحدودة. هي تحمل مشروعاً يرتكز على تحقيق مشروع إيديولوجي، وتعتقد أنّ الظرف الذي ولّدته عملية «طوفان الأقصى» لا يمكن أن يتكرّر، وبالتالي لا بدّ من استثماره لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى وسط ظروف مؤاتية، مع وجود دونالد ترامب على رأس السلطة في واشنطن.
وعلى سبيل المثال فإنّ نتنياهو ومع تجديد حملته العسكرية على غزة، باشر باستهداف الأبراج السكنية وتدميرها، واعترف صراحة بأنّ طائراته دمّرت 50 برجاً. ولكن ماذا يعني ذلك؟ فلو كانت الأبراج تشكّل أهدافاً عسكرية أو «تهديدية» لكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية دمّرتها خلال الأشهر الأولى من الحرب، وما كانت لتنتظر كل هذه المدة. وبالتالي إلى ماذا يهدف نتنياهو في تدميره الجديد هذا؟ والجواب قد يكون صادماً. فرئيس الحكومة الإسرائيلية، والذي يطمح لاستمرار الحرب، بات يشعر بقيود داخلية عنوانها وجوب إطلاق ما تبقّى من الأسرى الأحياء، والذين أضحى عددهم أقل من عشرة. وقد يكون نتنياهو يرجح وجود هؤلاء في أقبية داخل مجمعات سكنية ضخمة، حيث يمكن إخفاؤهم بسهولة، أو داخل أنفاق تبدأ مداخلها تحت أبراج سكنية. لذلك هنالك من لا يستبعد أن يكون نتنياهو يحاول إقفال ملف الأسرى عبر قتلهم «خطأ» من خلال تدمير الأبراج على من فيها. وجاءت الخطوة الثانية من خلال القضاء على كل الوفد الحمساوي المفاوض. وإذذاك تصبح الساحة خالية لاستئناف حربه إلى النهاية وبحجة الإقتصاص من «قتلة» الأسرى. ولمن لا تخونه الذاكرة، فإنّ العصابات الصهيونية «الأرغون» اليمينية المتطرفة، كانت قد فجّرت في العام 1946 فندق الملك داود في القدس، ما أدّى الى مقتل كثير من اليهود، حيث المقرّ الإداري للإنتداب البريطاني. ووفق ما تقدّم، يصبح هدف نتنياهو من العملية فتح الأفق في اتجاه مزيد من الحرب وصولاً لتحقيق مشروع «تغيير وجه المنطقة». لكن الإكتفاء بهذه القراءة قد يكون ناقصاً.
المصدر: “الجمهورية – جوني منير”
**