منذ عقود، شكّل الصراع العربي الإسرائيلي محورًا رئيسيًا في سياسات الشرق الأوسط، وتفاوتت مواقف القادة العرب بين المواجهة والتسوية. وفي كل مرة يتجه فيها زعيم عربي نحو السلام مع إسرائيل، يثير ذلك جدلًا واسعًا وتساؤلات حول الثمن السياسي والشعبي لمثل هذه الخطوات. وفي هذا السياق، تُعقد المقارنات بين من سبق واتخذ هذا المسار، وبين من يسير عليه اليوم، كما هو الحال بين أنور السادات وأحمد الشرع.
مثّل الرئيس المصري أنور السادات نقطة تحول تاريخية حين وقّع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، في خطوة غير مسبوقة فتحت باب الاعتراف العربي بالدولة العبرية. حينها، وُوجه السادات بعاصفة من الانتقادات، اتُّهم فيها بالخيانة والتفريط، خاصة وأن الاتفاق لم يكن شاملاً، بل اقتصر على استعادة سيناء، دون أي حل جذري للقضية الفلسطينية. كانت الضريبة التي دفعها السادات غالية، ليس فقط على مستوى شعبيته أو العلاقات المصرية العربية، بل على المستوى الشخصي كذلك، حين اغتيل عام 1981 على يد متطرفين اعتبروا خطوته خروجاً عن الإجماع الوطني والقومي.
اليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بطريقة أخرى. اسم أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام الذي بدأ يلوّح بالتقارب مع إسرائيل في إطار غامض من المفاوضات، بدأ يثير قلقًا شعبيًا وأسئلة لا تنتهي حول مصير الجولان السوري المحتل. وبينما ظل الموقف السوري لعقود متمسكًا برفض التطبيع قبل استعادة الجولان، يلوح في الأفق اليوم تحول مقلق، يتحدث فيه البعض عن مقايضات قد تُبرم خلف الأبواب المغلقة، بعيدًا عن أي شفافية أو مساءلة وطنية. يُنظر إلى تحركات الشرع باعتبارها تكرارًا لنموذج السادات، لكن بدون حتى الحد الأدنى من المكاسب التي حصدها الأخير، ما يجعل الأمر أقرب إلى تقديم تنازلات مجانية في ملف سيادي حساس.
الخطر في هذا السياق لا يكمن فقط في احتمالية “بيع” الجولان تحت مسميات دبلوماسية، بل في المسار الذي تجرّ إليه هذه السياسة، والتي قد تُسهم في شرعنة الاحتلال تحت غطاء السلام، في وقت لا تزال فيه الأرض محتلة، والشعب السوري بعيدًا كل البعد عن المشاركة في اتخاذ قرار مصيري كهذا. التساؤلات لا تتوقف حول الجهة التي تملك الحق في اتخاذ خطوة بهذا الحجم، وما إذا كان الشرع يمثل إرادة السوريين، أم يخضع لحسابات خارجية تتجاوز حدود السيادة الوطنية.
التاريخ علّمنا أن كل خطوة نحو التطبيع دون ضمانات حقيقية وتوافق شعبي تنتهي بتكلفة باهظة، سياسيًا وشخصيًا. ومن يسلك هذا الطريق دون أن يستند إلى شرعية داخلية قوية، غالبًا ما يجد نفسه معزولًا أو مهددًا. في عالم لم يلتئم جرحه بعد من سياسات الاحتلال، يظل كل حديث عن سلام غير مشروط، في ظل واقع استيطاني واستعلاء سياسي، أقرب إلى الاستسلام منه إلى السلام العادل. وإذا كان السادات قد دفع حياته ثمنًا لمبادرته، فإن مصير من يسير على خطاه دون تفويض شعبي أو مكاسب ملموسة، قد لا يكون أقل قسوة.
**