يمارس الإعلام الإسرائيلي، كلما ضاق الخناق على الكيان الصهيوني واشتدت عليه الأزمات، لعبة مفضوحة اعتادها المتابعون: اختراع فرضية جديدة تحت عنوان “إسقاط النظام الإيراني”. تتكرر هذه النغمة مع كل حرب، ومع كل ضربة تتلقاها “إسرائيل” من محور المقاومة، حيث يسارع الساسة الصهاينة ومعهم ماكينة إعلامية منظمة إلى ترويج سيناريوهات وهمية توحي بأن النظام في طهران يترنح، أو أن أيامه باتت معدودة. هذه الدعاية ليست إلا امتدادًا لما اعتاده الإعلام الصهيوني، ولاحقًا الخليجي المتماهي معه، في كل المواجهات.
في حرب غزة مثلًا، كلما اشتدت الضربات الصاروخية ودكت المقاومة معسكرات الاحتلال، سارع الإعلام الصهيوني إلى تغيير دفة النقاش إلى سؤال مفخخ: “من يحكم غزة؟” ويبدأ التطبيل الإعلامي في بعض القنوات العربية، وكأن هناك أزمة شرعية في غزة بدل أن يكون النقاش حول العدوان الإسرائيلي الوحشي وجرائمه. وفجأة، وبعد انتهاء المعركة وظهور فشل الاحتلال، تختفي تلك الأسئلة المفتعلة لتعود مجددًا بصيغة أخرى في الجولة التالية.
نفس الأسلوب يُمارس ضد لبنان، عندما يتحول الحديث من الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية إلى “مصير حزب الله”، في محاولة لصرف الأنظار عن الانتصارات الميدانية. ويُعاد السيناريو مع “أنصار الله” في اليمن، حيث يصورهم الإعلام الصهيوني ومن يدور في فلكه على أنهم مجرد أدوات أو بيادق، وليسوا حركة مقاومة لها مشروع سياسي وعسكري متكامل استطاعت أن تفرض وجودها بقوة على الأرض، وتواجه التحالفات المطبعة والعميلة بثبات وشجاعة.
أما اليوم، ومع ازدياد الضغط الإيراني على الكيان من خلال دعم حركات المقاومة وتضييق الخناق العسكري والأمني عليه، يخرج علينا الإعلام الصهيوني برسالة مكررة: “لا نسعى لإسقاط النظام في إيران!”، وهي عبارة ظاهرها البراءة، لكن باطنها محاولة لزرع الشك والتشكيك في استقرار الجمهورية الإسلامية، بينما الحقيقة أن هذه الفرضية ليست سوى قناع جديد لحالة التخبط التي يعيشها الكيان.
من الذي بات أقرب إلى السقوط؟ إيران، الدولة ذات الحضارة الضاربة في عمق التاريخ، التي يعود امتدادها إلى آلاف السنين، أم الكيان الصهيوني، الذي لم يتجاوز عمره 74 عامًا، وقام على كذبة “أرض الميعاد” وجمع شتات شعوب لا رابط حقيقي بينها سوى وهم الاحتلال؟ إن “إسرائيل” لم تكن يومًا دولة طبيعية، بل مشروعًا استعماريًا مؤقتًا، يقوم على اغتصاب الأرض وقهر شعوبها، ومآله أن ينتهي كما انتهت كل المشاريع الاستعمارية.
اللافت في كل هذا أن فرضيات إسقاط الأنظمة لا تظهر إلا حين يتلقى الكيان الضربات الموجعة، سواء من غزة أو الجنوب اللبناني أو صنعاء أو بغداد، أو حين تضيق عليه الجغرافيا وتُقفل أمامه خيارات المناورة. حينها، وبدلًا من مواجهة الحقيقة، يلجأ إلى التضليل الإعلامي، متوهما أن هذه الروايات ستبث الطمأنينة في نفوس المستوطنين وتُخدّر العملاء. لكنها في الحقيقة مجرد مسكنات قصيرة الأجل في طريق طويل نحو الزوال المحتوم.
إن تكرار هذه الفرضيات ليس فقط مؤشرًا على الإفلاس السياسي والعسكري، بل يكشف عن الوجه الحقيقي للإعلام الصهيوني، الذي يتقن فن صناعة الأكاذيب وتقديمها كحقائق. لكنه في نهاية المطاف، لا يستطيع أن يغيّر من واقع أن هذا الكيان يعيش مأزقه التاريخي، بينما خصومه يراكمون القوة ويصنعون المعادلات.