مع نَيل الحكومة ثقة المجلس النيابي، تُعلَن الانطلاقة الفعلية للعهد الرئاسي الجديد، حيث تكتمل البنية التنفيذية للدولة، وتصبح الأنظار كلها مشدودة إلى ورشة العمل الموعودة، التي يُنتظر أن تُحدَّدَ خطواتها وترجماتها العملية في أول جلسة لمجلس الوزراء تُعقد سريعاً في القصر الجمهوري في بعبدا. وعلى خط آخر، يبرز العامل الإسرائيلي كأكثر التحدّيات الماثلة في وجه الحكومة، مع استمرار تفلّت إسرائيل الفاضح من اتفاق وقف إطلاق النار، ومواكبتها استمرار احتلالها للنقاط الخمس على الحدود، باعتداءات متتالية على المناطق اللبنانية وفي خروقاتها للسيادة اللبنانية التي تجلّت في التحليق المكثف للطيران الحربي وشنّ غارات يومية على الأراضي اللبنانية، وتركيز طيرانها التجسسي في أجواء العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية، بالتزامن مع عمليات تجريف للمنازل، ولاسيما في بلدة كفر كلا.
95 ثقة
كانت الحكومة قد نالت ثقة واسعة من المجلس النيابي بلغت 95 صوتاً ومعارضة 12 نائباً وامتناع 4 نواب عن التصويت، في جلسة نيابية استغرقت 18 ساعة توزّعت على 4 جولات نهارية ومسائية، حرص فيها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على عدم تضييع الوقت، ونجح في إخراجها من نفق المداخلات والتكرار والمطوّلات النيابية التي قاربت الثلثَين من النواب طالبي الكلام فيها وتقليص عدد المتكلمين إلى حوالى النصف، بالتالي إبقائها تحت السقف المحدّد لها بيومَين.
وفي ردّ رئيس الحكومة على مداخلات النواب، أكّد التزامه الكامل بتحمّل المسؤولية تجاه التحدّيات التي تواجه لبنان، مشدّداً على أنّه لن يُسمح بعد اليوم بتفويت الفرص أو إضاعة الوقت أو هدر الإمكانيات.
مهمّات صعبة
بعد الثقة تحين ساعة الجد، وتُصبح الحكومة أمام امتحان قدرتها على الإنجاز، وفقاً لمندرجات خطاب القسم التي أكّدت عليه في بيانها الوزاري. على أنّ الواقعية تقتضي التأكيد على أنّ حكومة العهد الأولى أمام مهمّة، بل مهمّات صعبة وحساسة جداً، ربطاً بالأعباء الكبرى والتحدّيات المتراكمة في كلّ المجالات ولاسيما الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، المعيشية والخدماتية، وجميعها مُدرجة في خانة الأولويّة الملحّة وتتسم بصفة الإستعجال لحسمها على وجه السرعة بمسؤولية وحرفية، وليس بتسرّع تتأتى عنه عواقب تزيد من ثقلها، وتُحبط آمال اللبنانيّين المعلّقة على دقة الأداء وسرعة العمل المجدي والإنتاج الحقيقي.
وبهذه الثقة الواسعة على ما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، تكون الحكومة قد حازت على دفع إضافي لها، ومسؤولية إضافية تُلقى على عاتقها. وفي المقابل فإنّ مانحي الثقة من النواب والكتل السياسية الممثلة في الحكومة قد ألزموا أنفسهم جميعاً بأن يُشكّلوا رافداً لها في مهمّتها، وتركها تعمل وعدم إخضاعها للمؤثرات والمداخلات السياسية، وتجنّب بناء متاريس الاشتباك في داخلها عند أي محطة أو منعطف على جاري ما كان يحصل في السابق، ما رتّب نتائج عكسية زادت من عمق الأزمة وآثارها».
صندوق فرنسي
إلى ذلك، تلقّى لبنان تأكيداً فرنسياً متجدّداً لتوفير كل مساعدة للبنان في المستويات السياسية والتقنية، وسعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إنشاء صندوق لدعم عملية إعادة الإعمار، على حدّ ما أبلغ السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو إلى وزير المال ياسين جابر.
وكشفت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية» عن برنامج تحرّك فرنسي مساعد للبنان، مشيرةً في هذا السياق إلى ما سمّتها قنوات التواصل المفتوحة مع الجانب الإسرائيلي لتحقيق الإلتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس اللبنانية التي أبقت على وجود جيشها فيها.
ولفتت المصادر إلى أنّ باريس التي تنتظر إنجازات لحكومة نواف سلام في ما خصّ الخطوات الإصلاحية ومكافحة الفساد، ملتزمة بتوفير المساعدة للبنان لتمكينه من تخطّي أزمته، وضمن هذا السياق تندرج مبادرة الرئيس ماكرون لإنشاء صندوق دعم للبنان، بالتواصل المباشر مع أصدقاء لبنان الدوليِّين، ويُرجّح أن تكون العاصمة الفرنسية حاضنة لمؤتمر دولي حول لبنان في المدى المنظور.
ورداً على سؤال أضافت المصادر، أنّ الرئيس جوزاف عون سيزور باريس بالتأكيد، وموعد هذه الزيارة يتحدّد بالتنسيق بين الرئاستَين اللبنانية والفرنسية. علماً أنّ الرئيس ماكرون، في زيارته الأخيرة إلى بيروت لتهنئة الرئيس عون بعد انتخابه، عبّر عن رغبته في استقبال الرئيس عون في الإيليزيه.
دعم عُماني
في سياق الدعم الخارجي، اندرجت أمس زيارة وزير خارجية عُمان بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي إلى بيروت، فالتقى رئيس الجمهورية جوزاف عون في القصر الجمهوري، رئيس الحكومة نواف سلام في السراي الحكومي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري في المجلس.
في اللقاء مع رئيس الجمهورية سلّمه دعوة لزيارة عمان، وأكّد الوزير العماني: «نحن متفائلون بأنّ مستقبل لبنان سيكون أفضل بعد انتخابكم، ونتطلع إلى تعزيز التعاون وتفعيل أعمال اللجنة المشتركة بين البلدَين».
بعد لقائه بري، وصف الوزير العماني اللقاء بالإيجابي والمثمر للغاية، مضيفاً أنّ «هذا يَنمّ عن عمق العلاقة اللبنانية- العمانية ومتانتها وصلابتها ويُعبِّر عن تطلعاتنا المشتركة نحو المزيد من التلاقي والتلاحم والتعاون بين الشعبَين والبلدَين إلى آفاق أكبر في المرحلة المقبلة. كما يُعبِّر عن إعتزازنا بهذه العلاقة وعمق الصلات القائمة بين البلدَين عبر الأزمنة والعصور».
وأشار بعد اللقاء مع سلام إلى أنّه سلّم رئيس الحكومة دعوة مفتوحة لزيارة عمان، مؤكّداً: «إنّ البحث تناول التطوير والتواصل بين البلدَين في مختلف المجالات، بما فيه أيضاً الدعم لاستئناف أعمال اللجنة العليا المشتركة، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين لبنان وسلطنة عمان، وكذلك بذل جهود أكبر في إطار دول مجلس التعاون الخليجي والإطار العربي لدعم لبنان ولعمليه إعادة الإعمار، وتحقيق المزيد من الفوائد التي تخدم الشعب اللبناني في كافة المجالات».
عون
وكان رئيس الجمهورية قد أعرب عن أمله أمام الوزير العماني في أن «تُسفر القمة العربية المقرّرة الأسبوع المقبل عن موقف عربي موحّد لمواجهة التحدّيات الراهنة».
وأعرب الرئيس عون عن «امتنان لبنان رئيساً وشعباً لوقوف عمان إلى جانب لبنان في كل الظروف، متمنّياً أن يعود الطيران العماني إلى لبنان في أسرع وقت ممكن، وشكر له الدعوة التي وجّهها السلطان هيثم بن طارق، واعداً بتلبيتها في وقت قريب»، معتبراً زيارة وزير الخارجية مناسبةً للتأكيد على عمق العلاقات اللبنانية – العمانية».
وتطرّق رئيس الجمهورية إلى التطوّرات في الجنوب وسوريا وفلسطين، معتبراً أنّ «التحدّيات كبيرة ومتلازمة وتحتاج إلى موقف عربي موحّد لمواجهتها، نأمل أن يصدر عن القمة العربية غير العادية الأسبوع المقبل في القاهرة». واعتبر أنّ «توافر الإرادة الموحّدة كفيل بجعل الموقف العربي صلباً وقادراً على التأثير في مجرى الأحداث المترابطة».
من جهة ثانية، أكّد الرئيس عون أمام زوّاره في بعبدا «إنّنا سنعمل على تغيير ثقافة الاستسلام لدى الشباب اللبناني، وأبواب المؤسسات العسكرية والإدارات العامة مفتوحة أمامهم». لافتاً إلى «أنّ مهمّتي في موقعي هي خدمة الشعب اللبناني وإصلاح الأخطاء في كل القطاعات، وتأكيد الدور الرئيسي للقضاء في إعادة النهوض بلبنان من جديد».