إذا كان المُسلَّم به أنّ أمام الحكومة تحدّيات كبرى، ولاسيما في مجال التعيينات لملء الشواغر الواسعة في الإدارة اللبنانية، وتحديداً في المراكز العسكرية والإدارية، فإنّ أخطر هذه التحدّيات هو مواجهة العواصف التي تتكوّن على الحدود الشرقية والجنوبية، وهو الأمر الذي يفرض نفسه البند الأقرب والأكثر إلحاحاً في أجندة العمل الحكومي، ولاسيما لجهة وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتمادية منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للمناطق التي توغل إليها خلال العدوان الأخير على لبنان، ولاسيما مع اقتراب موعد 18 شباط كفترة محدّدة لانسحاب جيش الاحتلال، حيث استكمل الجيش اللبناني انتشاره في عدد من البلدات الجنوبية التي أخلاها جنود الاحتلال.
وفي سياق متصل، أكّدت «اليونيفيل» في بيان أمس، «على دعمها الثابت للقوات المسلحة اللبنانية في إعادة انتشارها في جنوب لبنان، كما دعم المؤسسات الحكومية في سعيها لإرساء سلطة الدولة ومساعدة المواطنين على العودة إلى قراهم وبدء إعادة الإعمار. كما أكّدت أنّها ستظل ملتزمة بدعم استقرار المنطقة من أجل عودة الحياة الطبيعية للسكان على جانبَي الخط الأزرق».
وأمّا الأمر الثاني الذي لا يقلّ خطورةً عمّا يجري في منطقة الحدود الجنوبية، فيتعلّق بمعالجة التوترات المتلاحقة شرقاً، ولاسيما على الحدود السورية، حيث الوضع يبعث على القلق الكبير، وهذا الأمر كان مدار بحث بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب خلال حضورهما قداس مار مارون. وأكّد رئيس الجمهورية إيلاءه ما يحصل القدر الأعلى من الاهتمام والمتابعة. مع الإشارة هنا ألى أنّ حالة من الهدوء سادت المنطقة أمس، فيما استكمل الجيش اللبناني انتشاره في المنطقة الحدودية الشمالية لمدينة الهرمل مع سوريا بعد انسحاب مقاتلي أبناء العشائر خلف الحدود التي ينتشر فيها الجيش.
بري: غير مطمئن
إلى ذلك، تتزاحم المعلومات حول عدم تنفيذ إسرائيل التزامها بالانسحاب من الأراضي اللبنانية وفق ما نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار، وتشير هذه المعلومات إلى عزم الجيش الإسرائيلي الإبقاء على احتلاله لخمس نقاط في الجانب اللبناني بالقرب من الحدود اللبنانية- الفلسطينية. وعلى رغم من التأكيدات التي تتوالى من جانب رعاة لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار بأنّ إسرائيل ستنسحب في 18 شباط، فإنّ الرئيس نبيه بري، يؤكّد أنّه غير مطمئن على هذا الصعيد، وتعتريه خشية كبرى من ألّا يلتزم العدو بالانسحاب في التاريخ المحدّد، وقال: «إذا بقيَ العدو محتلاً لبعض التلال الحاكمة، فمعنى ذلك أنّ الاحتلال مستمر ولم يتغيّر شيء، الأمر الذي لا يمكن أن نقبل به».
وأشار بري إلى أنّه أكّد لنائب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس ضرورة أن تؤدّي واشنطن دورها كضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، مشدّداً على وجوب اكتمال الانسحاب الإسرائيلي الشامل من الأراضي اللبنانية في 18 شباط.
وكان بري قد أبلغ المسؤولة الأميركية خلال اللقاء معها أنّ إسرائيل شرّ مطلق، واستمرار احتلالها للأراضي اللبنانية يستوجب مقاومته.
على الصعيد الحكومي، أعرب بري عن ارتياحه لتشكيل الحكومة، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر أشاع مناخاً مريحاً في البلد. ولفت أمام زوّاره إلى أنّ محاولات جرت في الفترة الأخيرة للتفريق بين اللبنانيِّين، ودورنا نحن هو أن نجمعهم، وتشكيل الحكومة يندرج في سياق الجمع والردّ على أي مسعى للتفرقة. أمّا في ما يتعلّق بالأحداث التي تحصل على الحدود اللبنانية- السورية، فأكّد بري ضرورة توجيه كل الجهود لمعالجة الأمر في السرعة الكلية، وتلافي ما قد يترتب عليه من مخاطر على أمن البلد واستقراره.