لو لم يكن بنيامين نتنياهو يعتقد بجدّية الأفكار التي يعمل عاموس هوكشتاين على تسويقها لوقف الحرب في لبنان، لما أرسل إلى موسكو وواشنطن الرجل الأقرب إليه رون ديرمر، في شكل طارئ، لقطع الطريق على أي مشروع لا يرضي إسرائيل.
يُقال في إسرائيل إنّ ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية، هو السياسي الوحيد الذي يصغي نتنياهو بانتباه إلى الأفكار التي يطرحها في الاجتماعات. وبسبب هذه الحظوة، تعرّض نتنياهو لانتقادات حادة من حلفائه وخصومه على حدّ سواء، لكنه لم يعدّل في سلوكه، وما زال يكلّف الرجل مهمّات دقيقة، وخصوصاً في ما يخصّ العلاقات مع واشنطن.
ديرمر المولود في الولايات المتحدة، في كنف عائلة يهودية معروفة بتعاطفها القوي مع الحزب الجمهوري، وبعلاقاتها الوطيدة القديمة مع آل بوش، جاء إلى إسرائيل، وتولّى موقع السفير في واشنطن لـ8 أعوام اضطلع خلالها بدور مهمّ في توثيق التعاون، خصوصاً في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. ومنذ اندلاع الحرب في غزة ولبنان، كلّفه نتنياهو مراقبة أعمال مجلس الحرب المصغّر.
وأما المهمّة المناطة به حالياً فهي الدخول على خط الاتصالات التي يجريها هوكشتاين لتسويق مشروعه للتسوية في لبنان. وهذه الاتصالات شملت موسكو في محاولة لدفعها إلى أن تنخرط في التسوية المقترحة، كضامنة لمنع تسريب الأسلحة والذخائر من سوريا إلى «حزب الله». ويتحدث كثيرون عن تفاهمات قديمة بين إسرائيل وروسيا حول ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا. فمنذ سنوات عدة، يسدّد الإسرائيليون ضربات موجعة إلى مصالح إيران و«الحزب» داخل الأراضي السورية، فيما القوات الروسية المتمركزة هناك تتخذ موقف المتفرج.
وبعد موسكو، سيسارع ديرمر إلى زيارة واشنطن، لكي يواكب الاجتماع المنتظر بين ترامب وبايدن غداً، والذي يُتوقع أن يتناول 3 ملفات شرق أوسطية تعني إسرائيل مباشرة هي: إيران وغزة ولبنان. وترجح مصادر ديبلوماسية أن يكون موقف نتنياهو، الذي سيتبلّغه هوكشتاين مباشرة، وينقله ديرمر إلى الرئيسين الأميركيين الحالي والمنتخب، هو الآتي: الأولوية الإسرائيلية ـ الأميركية يجب أن تكون توجيه ضربة موجعة إلى طهران تتكفّل بتعطيل برنامجها النووي وإضعاف نظامها، ما يؤدي تلقائياً إلى تلاشي حلفائها الإقليميين، ويسهل الحل في غزة ولبنان وسواهما.
وتعتقد المصادر، أنّ نتنياهو يتعمّد الإيحاء بأنّه جادٌّ في ملاقاة هوكشتاين إلى مشروعه الخاص بالتسوية في لبنان، لكي يضمن عدم إغضاب بايدن واستمرار الحصول على دعمه، في الشهرين الأخيرين من الولاية الرئاسية. لكن نتنياهو عملياً رفع سقف شروطه إلى حدّ يجعل موافقة «حزب الله» على الاتفاق أمراً مستحيلاً. وبذلك، هنا تتعطل التسوية وتستمر الحرب. وهذا هو جوهر رغبة نتنياهو.
في الظاهر، يبدو هوكشتاين وكأنه يسوّق مطالبة إسرائيل بتنفيذ القرار 1701. لكن الإسرائيليين، في الواقع، ينصّبون أنفسهم أوصياء على تنفيذ القرار، بالقوة، من خلال القوات الدولية التي سيتمّ توسيع صلاحياتها لكي تتصرف بمبادرة منها ومن دون التنسيق مع الجيش اللبناني، ويكون لها الحق في ضبط المعابر البرية والبحرية والجوية، والتصدّي لما تعتبره خروقات. بل إن نتنياهو يطالب بأن يكون لإسرائيل نفسها، في بعض الحالات، حق التدخّل عسكرياً لإحباط ما تعتبره محاولة لاستعادة «حزب الله» لسلاحه وذخائره.
بالتأكيد، لا يمكن لا للبنان الرسمي ولا لـ«حزب الله» قبول تسوية من هذا النوع. ويبدو واضحاً أنّ نتنياهو يتعمّد طرح شروط «تعجيزية» ترفضها بيروت، فستستمر الحرب، لأنّها سبيله الوحيد إلى تحقيق أهدافه الاستراتيجية.في نظر بعض الخبراء، هذه الأهداف تقتضي احتلال أجزاء واسعة من الجنوب، بعد تدميرها وتهجيرها، وفق النموذج الذي جرى اعتماده في غزة، ثم تقسيم هذه المناطق إلى مربعات أمنية يجري التعامل مع كل منها على حدة، لتسهيل استيعابها والتصرف بها. وليست واضحة تماماً طبيعة المخطط الإسرائيلي المُعدّ لجنوب لبنان ومدى اتساع البقعة التي سيصار إلى احتلالها. لكن المؤشرات ترجح سعي إسرائيل إلى توسيع سيطرتها حتى الليطاني على الأقل.
في الفترة الفاصلة عن 20 كانون الثاني، يقوم نتنياهو بتنفيذ المناورات السياسية في لبنان، فيما الهدف الأول هو ضرب إيران. وفي تقديره أنّ ترامب سيشجع بايدن على اعتماد هذا الخيار، لكي تنتهي الضربة قبل أن يبدأ ولايته.
ويقول الخبراء، إنّ الفريق الحاكم حالياً في إسرائيل، من اليمين واليمين المتطرف، يخبئون أهدافاً عميقة جداً وراء الحرب الدائرة في لبنان وغزة. وفي الواقع، هم يريدونها حرباً طويلة وقاسية وحاسمة، بحيث تقود إلى إحداث تغييرات استراتيجية في الشرق الأوسط كله، بمفاعيل جغرافية وديموغرافية وأمنية واقتصادية. ومفتاح هذه التغييرات هو إضعاف النظام في إيران.ولذلك، ما يدور اليوم من مفاوضات في السياسة هو مجرد إضاعة للوقت أو حقنة تخدير موقتة، في انتظار إنضاج الخيارات الكبرى والمفصلية. وبالتأكيد، هذا يستغرق سنوات.