توضّحت الصورة الأميركية، وفتحت الانتخابات الرئاسية الباب لدونالد ترامب كأول رئيس يدخل مرّتين بالانتخاب إلى البيت الابيض كرئيس للولايات المتحدة الأميركية. وعلى ما بدا جلياً فإنّ العالم انضبط سريعاً على إيقاع هذا الحدث، وبدأ يحضّر أوراق وخرائط التعامل مع الإدارة الترامبيّة في السنوات الاربع المقبلة، ولاسيما في ما خصّ الملفات الدولية والإقليمية، والنقاط الساخنة والمشتعلة في أكثر من ساحة.
المستوى السياسي الحاكم في إسرائيل كان أوّل المهنئين لترامب باعتباره الخيار الافضل لإسرائيل، ولاسيما من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي طيّر برقية سريعة إلى ترامب قال فيها: «عزيزي دونالد وميلانيا ترامب، تهانينا على أعظم عودة في التاريخ. إن عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض توفّر بداية جديدة لأميركا وإعادة التزام قوي بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأميركا». وعلى الخط نفسه تعالت بعض الأصوات من داخل حكومة المتطرفين بالقول بأنّه مع فوز ترامب «حان وقت النصر المطلق وعقوبة الإعدام للإرهابيين مع هذا الرئيس المنتخب». فيما قال وزير الدفاع الاسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس: «سنعمل مع ترامب على تعزيز التحالف بين بلدينا واستعادة الرهائن وهزيمة محور الشرّ الإيراني».
وأما الحلفاء الدوليون فأكدوا الالتزام بنهج التعاون الدائم مع الولايات المتحدة. فيما المحور المقابل يرصد وجهة الادارة الترامبية الجديدة – القديمة، وأي مسار ستنتهجه بعد تسلّم ترامب مهامه الرئاسية في 20 كانون الثاني المقبل. فالصين اعلنت أنّها تنتظر مقاربة جديدة للعلاقة معها، تفضي إلى تخفيف او احتواء التوتر بين البلدين، وإلى التعايش السلمي مع الولايات المتحدة. وروسيا عينها على أوكرانيا، وتقارب بحذر إعلان الرئيس الاميركي المنتخب إنهاء الحروب، واعلنت على لسان نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف، انّ «فوز ترامب ضربة لأوكرانيا. علماً انّ «ميدفيديف نفسه كان اعلن في وقت سابق انّ ترامب لن يستطيع وقف النزاع في أوكرانيا حال فوزه، وإذا حاول فإنّه قد يتعرّض لعملية اغتيال». وأما إيران فتحاول الظهور وكأنّها غير عابئة بتغيّر الادارة الاميركية، وأعلنت المتحدثة باسم الحكومة الايرانية أنّ فوز ترامب لن يؤثر على حياة الإيرانيين.
حذر .. وقلق
وأما لبنان الرسمي، وإن كان سيقوم بواجبه البروتوكولي بتقديم التهنئة للرئيس الاميركي الجديد، ويقرنها بطلب المساعدة الأميركية الفاعلة على وقف العدوان الاسرائيلي، فإنّ الواقع اللبناني في موازاة الحدث الاميركي، وعلى ما يستنتج من مصادر رسمية مسؤولة، متموضع في مربّع الحذر الشديد، يتجاذبه من جهة، تعويل على ترجمة ترامب لوعده بإنهاء الحروب بما يشمل إنهاء العدوان الاسرائيلي على لبنان، ومن جهة ثانية، قلقٌ وتخوّف كبيران جداً، من أنّ مصلحة إسرائيل التي تلتزم بها كل الإدارات الاميركية بما فيها ادارة ترامب، قد تقتضي مع ادارة ترامب المعروف بقربه الوثيق من نتنياهو سياسات جديدة – قديمة تزيد الضغوط على لبنان».
ميقاتي يهنئ
وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال، قد وجّه في مستهل جلسة مجلس الوزراء أمس، «التهنئة إلى الرئيس الاميركي المنتخب والشعب الاميركي على ممارسته الديموقراطية».
وقال: «مع مطلع هذا الشهر دخل الوطن السنة الثالثة من الشغور في رئاسة الجمهورية، والأخطار تتفاقم ونحن لا نزال ننادي بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية، وهذه مسؤولية دستورية يتحمّلها الجميع. ونؤكّد دعوتنا الدائمة لمبدأ الحوار بين كل المرجعيات السياسية للوصول إلى تلاقٍ يؤسس لانتخاب رئيس للجمهورية».
واكّد أنّ «إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل المحاولات الدولية لوقف اطلاق النار». وقال: «موقفنا وقرارنا هو الحفاظ على كرامة لبنان والحرص على احترام السيادة الوطنية بكل مظاهرها، جواً وبحراً وبراً وقراراتٍ دولية، ولن نتهاون ضدّ أي خرق واعتداء».
أضاف: «إنّ الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة والمتصاعدة ضدّ لبنان، تحولت إلى جرائم ضدّ الإنسانية، والمدخل الرئيسي لأي حلٍّ مقبول من لبنان هو وقف الحرب علينا والتنفيذ الكامل للقرار 1701 والبدء بانتخاب رئيس الجمهورية، فينتظم عقد المؤسسات ونستعيد الاستقرار ونبدأ بورشة الإعمار وبناء كل ما هدّمته الحرب. وفي هذا الإطار نحيي بتقدير مواقف اللبنانيين التضامنية مع اهلهم واهلنا الذين اضطروا لترك بلداتهم ومنازلهم».
مقاربات
في السياق المتصل بالحدث الأميركي، يدعو مسؤول وسطي بارز إلى مقاربة واقعية لعودة ترامب إلى البيت الابيض، وعدم الإفراط في تكهنات تفاؤلية او تشاؤمية او فرضيات قد لا تكون واقعية، قبل وضوح وجهة الإدارة الاميركية الجديدة وكيفية مقاربتها للملفات المتفجّرة على أكثر من ساحة دولية، ولاسيما في اوكرانيا وكذلك في الشرق الاوسط، وعلى ما أكّد مراراً، فإنّه رسم لنفسه أولوية وقف الحروب وعدم إشعالها او البدء فيها، ومنع انفجار الشرق الاوسط، وتجنّب ما سّماها حرباً عالمية ثالثة. تفوقها أولوية «اميركا اولاً»، بما يعني التفرّغ بشكل مركّز على الداخل الاميركي وإعادة انهاض الاقتصاد في الولايات المتحدة الاميركية.
على أنّه في موازاة ذلك، تبرز مقاربة تشاؤمية لأحد كبار المسؤولين لـ«الجمهورية»، عبّر فيها عن خشيته من أن نكون أمام فترة شديدة التعقيد والتصعيد. وقال: «لا أرى ما يوجب التفاؤل، وأتمنى ان أكون مخطئاً، ولكن لا شيء يحمسني لأتوقع انقلاباً في الوضع ينهي الحرب في المنطقة ولا في لبنان ولا في غيرهما. بل إنني من الأساس في ما يعنينا بلبنان، لا أتوقع التغيير الذي ننشده، لسبب أنّ في الولايات المتحدة أمرين أحدهما متحرّك والثاني ثابت، المتحرّك هو هوية الرئيس الأميركي، حيث يكون تارة ديموقراطياً وتارة أخرى جمهورياً، فيما الثابت هو الدولة العميقة التي تحكم الولايات المتحدة وتحدّد سياساتها. ومن هنا فإنّ الدولة العميقة التي تدير الحرب على اوكرانيا والتوتير مع روسيا والصين وإيران، وترعى حرب نتنياهو على غزة ولبنان ستواصل ذلك، وربما بطريقة اكثر شراسة وشراكة مع نتنياهو في غزة ولبنان».
وعندما يُقال للمسؤول عينه بأنّ ترامب قال انّه يريد إنهاء الحروب، يسارع إلى القول: «ما اخشى منه هو أن يكون هذا الكلام لشراء الاصوات لا اكثر. ثم إنّ هذا الكلام هو كلام عام، فمن يستطيع أن يؤكّد أنّه لا يقصد بقوله عن إيقاف الحروب بأنّه يريد أن يوقف الحرب في لبنان او غزة او مع ايران بالطريقة التي يريدها هو، ايّ بالحسم من قبل اسرائيل ضدّ ايران وبالشكل الذي يحقق هدفها بإضعاف المقاومة وإنهاء وجودها في غزة ولبنان».
شهران صعبان
وفيما اكّد المسؤول عينه أنّ فرص الحل الديبلوماسي على جبهة لبنان تحديداً، لا تبدو ممكنة خلال الفترة الفاصلة من الآن وحتى تسلّم ترامب مهامه الرئاسية في 20 كانون الثاني المقبل، إلّا أنّ أحد السفراء العرب في لبنان قال لـ«الجمهورية»، إنّ واشنطن، وبمعزل عن هوية الرئيس، ترغب في إنهاء الحرب في لبنان، وهذا الحلّ ما زال ممكناً، وربما يكون ملحّاً اكثر من أي وقت مضى تداركاً لتطور المواجهات إلى مستويات شديدة الخطورة على الجميع، وخصوصاً انّ الاستعدادات في الجبهة تنذر بذلك. ومن هنا فإنّ عامل الوقت هو أكثر الأسلحة خطورة ويضغط بشكل كبير على كل الاطراف، وثمة معطيات تفيد بأنّ ادارة الرئيس جو بايدن تنوي أن تقوم بجهد مضاعف في هذا الاتجاه خلال الفترة المتبقية من ولايتها، وخصوصاً انّها ما زالت تتمتع بكامل صلاحياتها وفعاليتها وتمارسها حتى آخر لحظة».وفي سياق متصل، يستبعد مسؤول رفيع فرضية بلوغ حل ديبلوماسي مع إدارة بايدن، وقال: «نظرياً إدارة بايدن تتمتع بكامل صلاحيتها، ولكنها لا تملك قدرة تسويق حل، حتى ولو أعادت إيفاد آموس هوكشتاين من جديد إلى اسرائيل ولبنان. فهي عندما كانت بكامل فعاليتها لم تتمكن من ذلك، فكيف لها الآن أن تحقق ذلك في فترة انتقالية منقوصة الفعالية فيها وتعاني ذروة الضعف، واكثر من ذلك مثقلة بهزيمة انتخابية مهينة بخسارة نائبة بايدن كامالا هاريس وفوز دونالد ترامب.
وفي رأي المسؤول عينه، فإنّ «الفترة الممتدة حتى بدء ولاية ترامب، ميّتة سياسياً، الّا انّ المقلق فيها انّها قد تكون حبلى باحتمالات وسيناريوهات شديدة الصعوبة والخطورة، حيث من غير المستبعد أن يعمد نتنياهو خلالها إلى توسيع الحرب والصراع في غزة ولبنان، في محاولة منه لفرض وقائع ومعادلات جديدة على جبهة لبنان، لم تمكنه المقاومة من تحقيقها. ما يعني أنّ الشهرين المقبلين السابقين لـ20 كانون الثاني، حاسمان ومصيريان في آن معاً».
تخوّف إسرائيلي
على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق، ما ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، بأنّ إسرائيل ستدخل في مرحلة حرجة من الآن وحتى تنصيب الرئيس ترامب في 20 كانون الثاني، والرئيس بايدن هو رئيس كل شيء ولديه القدرة على فعل ما يريد، وفي إسرائيل علينا أن نأخذ في الاعتبار احتمال أن يستغل بايدن هذه الفترة لتصفية الحسابات مع نتنياهو».
وقالت الصحيفة «يبدو أنّ بايدن سيستغل الشهرين الأخيرين من ولايته لزيادة الضغوط للتوصل إلى صفقة الرهائن ومطالبة نتنياهو بتنازلات مثل الانسحاب من محور فيلادلفيا وما إلى ذلك. وسيحاول بايدن بكلّ قوته تعزيز التسوية الديبلوماسية بين إسرائيل ولبنان، وهي خطوة يبدو أنّ نتنياهو يدفع نحوها، على عكس محاولات إنهاء الحرب في قطاع غزة». إضافة إلى ذلك، أضافت الصحيفة، في الشهرين المتبقيين حتى تنصيب الرئيس الجديد، سيحاول نتنياهو التوصل إلى تعاون كامل مع ترامب ورجاله في ما يتعلق بـ«اليوم التالي» على كافة الجبهات: لبنان وقطاع غزة وإيران والمختطفون. ومن المرجح أن يتلقّى نتنياهو أيضاً استدعاء للبيت الأبيض بعد وقت قصير من تنصيب الرئيس، وحتى ذلك الحين، سيتعيّن عليه الإبحار في بحر هائج إلى حدّ ما خلال هذين الشهرين، وستكون المهمّة هي الإبحار بهم بأمان».
وخلصت الصحيفة: «لا أحد يتصور أنّ الحياة مع ترامب ستكون مفروشة بالورود لنتنياهو، حيث يريد ترامب أيضًا إنهاء الحرب في لبنان وغزة، لقد صرّح بذلك مرات عدة، وهو يعتقد حقًا أنّ هذه الحروب يجب أن تنتهي. وقال في خطاب النصر: «سأنهي الحروب، ولن أبدأها»، لذلك، سيتعيّن على نتنياهو التوصل إلى أقصى قدر من التنسيق معه حول كيفية الوصول إلى هناك بأكبر قدر ممكن من الإنجازات لإسرائيل وبأقل قدر ممكن من التنازلات».