طلبت مراجع سياسية وديبلوماسية وقتاً إضافيا لتقييم نتائج زيارات الموفدين في اتجاه المنطقة ولبنان، ولا سيما منها زيارتا وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن إلى تل ابيب، وقبلها الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، والتي اعتبرها الرئيس نبيه بري «الفرصة الأخيرة للوصول إلى حل قبل الانتخابات الاميركية». تزامناً لا يمكن تجاهل أنّ «بدء تشغيل نظام «ثاد» الأميركي لاعتراض الصواريخ الباليستية في إسرائيل» منذ الأمس يوحي بفتح الجبهة الإيرانية ـ الإسرائيلية في وقت قريب. وعليه هل يمكن الربط بين هذه الوقائع؟
وفي تفسيرها لهذه المؤشرات، رأت هذه المراجع، انّ التطورات الأخيرة المتسارعة التي بلغت الذروة في الايام الاخيرة قد تشكّل منحى جديداً في مسار الحرب في المنطقة، بحيث انّها اقتربت من أن تكون أوسع، بعد احتمال ضمّ المنشآت الايرانية الى مساحة النزاع الدائر، وما يمكن أن تستدرجه اي عملية إسرائيلية عسكرية كانت او امنية أو مخابراتية من ردّ إيراني جديد. وخصوصاً أنّ القوى المنخرطة في المواجهة تستخدم كل قدراتها العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية، إلى جانب حرب اعلامية شرسة تعتمد على المؤثرات النفسية التي أنهت كل أشكال الرهانات المعقودة على مسلسل المبادرات الهادفة الى خفض التوتر ومنع توسيع الحرب إلى مداها الأقصى، إن تمّ التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار مهما تعددت مصادرها، من تلك التي أطلقت على المستويات الرئاسية من أروقة الامم المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية نهاية ايلول الماضي، ومعها تلك التي تبنّتها الهيئات الأممية والتكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى، إضافة الى حركة الموفدين الرئاسيين في كل الإتجاهات.
على هذه الخلفيات، يبدو واضحاً انّ ما بات ثابتاً ولا يرقى اليه أي شك، يعزز الاقتناع بفشل ذريع مُنيت به الديبلوماسية الدولية، والتي عدّت انعكاساً وترجمة فعلية لعجز المؤسسات الأممية والاقليمية التي فقدت فاعليتها على مستوى الأهداف التي أُنشئت من أجلها. وهو ما زرع مزيداً من الشكوك بصدقية وجدّية ما هو مطروح من مشاريع واقتراحات، يمكن أن تحقق مراميها المعلنة. وهو ما ادّى تلقائياً الى التشكيك بنيات قادة الدول الكبرى وجدّيتهم في ما يطلقونه من مواقف وخيارات معلنة تدل الى عدم بذل الجهود الكافية لتحقيقها، ليس بسبب عجزها فحسب، انما بسبب تورطها في عملية توزيع الأدوار وتبادلها بين مؤسساتها السياسية والعسكرية والديبلوماسية، بطريقة قادت إلى تفاقم الأزمات وتعقيدها بدلاً من حلحلتها، وهو ما حال دون تحقيق الحدّ الأدنى من الأمن والسلم الاقليمي والدولي المنشود.
وتأسيساً على هذه المعادلة، فقد لفتت المراجع الديبلوماسية إلى دقّة التوصيف الذي أعطاه بري لزيارة هوكشتاين عشية زيارته اللبنانية، واعطته حقاً في شكله ومضمونه، ولا سيما قوله انّ هناك “رغبة أميركية بتحقيق وقف للنار في لبنان قبل الانتخابات الأميركية”، وأنّ “زيارة هوكشتاين هي الفرصة الأخيرة لأميركا للوصول إلى حل”. وأضافت: “كان هوكشتاين ينتظر قبل زيارته بيروت حصيلة التحرك الديبلوماسي الذي أطلقه الرئيس ايمانويل ماكرون. فهما متفاهمان على اهمية تعديل المبادرة التي اطلقها ماكرون مع نظيره الاميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي، والتي يترجمها وزير خارجيته جان نويل بارو بعد اتصالاته التي شملت، بالإضافة الى الرئيس الايراني قادة دول مجلس التعاون الخليجي تحضيراً لمشروع جديد يتحدث عن ادخال تعديلات على القرار 1701 بطريقة يضمن فيها موقفاً اسرائيلياً ايجابياً وقبولاً لبنانياً مماثلًا.
الّا أنّ المراجع نفسها استدركت، وقالت انّ ما بات ثابتاً انّ هوكشتاين لم ينتظر حصيلة الحراك الفرنسي، ليس بسبب ضيق الوقت ولكن على خلفية قلقه من الفشل في تحقيق أي تقدّم كان قد تمّ التفاهم في شأنه مع واشنطن. ولذلك اضطر إلى الإسراع في ترتيب مواعيده في بيروت تزامناً مع وصول أنتوني بلينكن إلى تل أبيب بعد التدهور الأمني الذي أعقب استهداف “حزب الله” ومن خلفه إيران منزل نتنياهو والردّ الاسرائيلي العنيف في مرحلته الاولى على لبنان خلال اليومين الماضيين، قبل استكمال مراحله في اتجاه ايران. وهي أحداث رفعت من منسوب المخاوف الاميركية والدولية الى الذروة، في مرحلة قد تسرّع فيها تل أبيب عمليتها المنتظرة ضدّ ايران ايذاناً بأنّ الحرب الواسعة التي تسعى الى تداركها قد وقعت.
عند هذه المعطيات، تنتهي المراجع الديبلوماسية لتبرّر دعوتها الى التريث في قراءة نتائج الحراك الأميركي بوجود كل من بلينكن وهوكشتاين في المنطقة، في ظل العمليات العسكرية الواسعة في لبنان على وقع التحذيرات التي اطلقها كل من وزيري الدفاع الاميركي لويد اوستن والفرنسي سيباستيان لوكورنو أول أمس الأحد، من مخاطر اندلاع نزاع مباشر بين إيران وإسرائيل، ودعوتهما منفصلين إلى وقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، فكيف إن تفلتت الامور من عقالها، والتي تفرض الاستعداد لمرحلة خطيرة جداً قد تُحدّد فيها ساعة الصفر لـ “الطلقة الاولى” من دون أي أفق يدل إلى إمكان معرفة التوقيت الدقيق لـ “الطلقة الاخيرة” إيذاناً بالتوصل الى “اليوم التالي” للحرب.