أثارت النائبة حليمة قعقور، الأسبوع الماضي، جدلاً واسعاً، بعد انتقادها لممارسات «اتحاد المدارس الخاصة» الذي ضغط على وزير التربية لبدء العام الدراسي.
أعربت قعقور عن قلقها من «تجاهل هذا القرار لحقوق الطلاب الذين لن يتمكنوا من متابعة دراستهم بسبب الظروف»، مشيرةً إلى «خطورة أي قرار لا يراعي حماية الجميع من دون تمييز». وأدّى هذا التصريح إلى موجة من النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، فتحوّل الجدل من قضايا تربوية إلى مسائل سياسية وطائفية.
تفاوتت المواقف بين مَن انتقد المدارس الخاصة التي تَعتبِر نفسها منفردة في تقديم التعليم، وبين مَن دافع عنها بشدّة. فيما حاول آخرون توجيه النقاش نحو معالجة الأسباب الحقيقية للأزمة، مطالبين بحلول مبتكرة تتجاوز الأساليب التقليدية وتختلف عن الآراء التي ظهرت، مع التركيز على الخطوات التي اتخذتها المدارس الخاصة والوزارة.
مواقف اتحاد المدارس الكاثوليكية والوزارة
على الرغم من قرار وزير التربية بتعليق الدروس، استمرّت أكثر من 90 مدرسة خاصة في تقديم التعليم للطلاب، بينما بقيَ معظم المدارس الأخرى مغلقة بسبب النزوح وتحويلها لمراكز إيواء. يُذكر أنّ 505 مدارس رسمية ابتدائية تُستخدَم كملاجئ، فيما أُغلقت 330 مدرسة أخرى بسبب الحرب، تاركةً 121 مدرسة فقط قادرة على استقبال الطلاب.
إلى جانب العوائق اللوجستية، برزت مشاكل أخرى كشفت عدم استعداد الوزارة للتعامل مع الأزمة. أولاً، لم تتمكن وزارة التربية من حصر عدد الطلاب أو تحديد أماكن وجودهم بشكل دقيق.
ثانياً، شكّك العديد من الأطراف في قدرة الوزارة على تأمين الإنترنت اللازم في حال اعتماد التعليم من بُعد. وعلى الرغم من إعلان الوزير جوني القرم في 6 تشرين الأول عن تأمين الإنترنت لنحو 330 ألف تلميذ وأستاذ، إلّا أنّ هذه الخدمة لم تكن جاهزة حتى تلك اللحظة.
تعقيد الوضع
من ناحية أخرى، كان موقف الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية مثيراً للجدل. فقد طلبت الأمانة العامة من مديري المدارس الاستعداد لبدء العام الدراسي في 30 أيلول، معتبرةً أنّ هذا القرار هو تعبير عن الصمود الوطني في وجه العدوان. لكنّها لم تنتظر توجيهات وزارة التربية، ممّا زاد من تعقيد الوضع.
موقف النقابات والأطراف التربوية
ظهرت مواقف متضاربة عدة حول استمرارية التعليم. فنقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، أبدى دعمه لاستمرار الدروس مع خطة لاستيعاب الطلاب خلال أسبوعَين. في المقابل، دعا أمين عام النقابة، أسامة أرناؤوط، إلى التريّث، مشيراً إلى أنّ الظروف الحالية لا تسمح بالعودة الفورية إلى التعليم.
أمّا من الجانب الرسمي، فأشار عدد من السياسيِّين إلى مخاوفهم حول مستقبل التعليم. وكان نائب رئيس لجنة التربية في مجلس النواب، حسن مراد، صريحاً في انتقاداته للضغط الذي يمارسه اتحاد المدارس الخاصة، واعتبر أنّ «فتح المدارس في هذه الظروف قد يؤدّي إلى تقسيم تربوي خطير». وأشار مراد إلى أنّ هذا القرار يعكس محاولة لتقسيم المجتمع اللبناني على أسُس تربوية، محذّراً من التداعيات المستقبلية.
الشمولية مقابل الاستمرارية
أحد أبرز النقاشات التي أثارتها هذه الأزمة كان حول شمولية التعليم في لبنان. وبدأت التساؤلات حول إمكانية الحفاظ على الهدف الوطني للتعليم، أي توفيره لجميع اللبنانيِّين من دون تمييز. وظهرت مقالات تنتقد ما سمّوه «فدرلة التعليم»، مشيرةً إلى أنّ بعض المدارس الخاصة تستفيد من قوّتها وسيطرتها على القطاع التربوي.
وعبّرت رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي، نسرين شاهين، عن استيائها من استمرار بعض المدارس الخاصة في التعليم، واصفةً ذلك بأنّه يزيد من الانقسام الاجتماعي في البلاد. كما رأت أنّ عدم المساواة في التعامل مع الأزمة يُظهر نوعاً من الفيدرالية غير المعترف بها.
وكان رئيس لجنة التربية النيابية، حسن مراد، من أوائل من انتقدوا هذا الاتجاه، مغرّداً على منصة «إكس»، أنّ فتح المدارس في هذه الظروف هو محاولة غير معلنة لتقسيم النظام التعليمي في البلاد. موقف مشابه اتخذته عدة أطراف أخرى، من بينها تيار «المستقبل»، الذي أعرب عن قلقه من أنّ بدء التدريس في بعض المناطق فقط قد يؤدّي إلى تعميق الفجوة الاجتماعية.
ردود فعل السياسيِّين
اللافت أنّ تصريح النائبة حليمة قعقور كان الأكثر إثارة للجدل. فقد تعرّضت إلى انتقادات حادة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد تصريحها الذي وصفت فيه قرار فتح المدارس تحت ضغط اتحاد المدارس الخاصة بأنّه قرار «خطير». ورأت قعقور أنّ هذا القرار يقوّض مفهوم المواطنة ويؤسّس لفكر تقسيمي بين فئات المجتمع.
على الرغم من أنّ تصريحاتها كانت تهدف إلى حماية حقوق جميع الطلاب، إلّا أنّ ردود الفعل كانت سلبية في معظمها، إذ رأى كثيرون في موقفها دعوة لتعطيل العام الدراسي بأكمله. لكنّ قعقور ردّت على هذه الانتقادات قائلةً، إنّ الحل الأمثل هو وضع خطة طوارئ تضمَن تعليم جميع الطلاب من دون تمييز.
على الجانب الآخر، حاول عدد من السياسيِّين تحويل الجدل إلى قضايا أعمق، مثل الحرب والسياسة. فرأى البعض أنّ المشكلة الحقيقية تكمُن في استمرار الحرب وتأثيرها على التعليم، مشدّداً على أنّ الحَلّ يجب أن يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية لتثبيت مؤسسات الدولة.
كما أشار آخرون إلى أنّ الأولوية هي استئناف العام الدراسي، وترك حرّية القرار للمدارس الخاصة، خصوصاً في المناطق التي تُعتبر آمنة نسبياً.
التوفيق بين الموقفَين
على الرغم من التناقض الظاهر بين موقفَي الاستمرارية والشمولية، هناك أصوات تدعو إلى التوفيق بينهما، أي إلى تجاوز النقاش حول فتح أو إغلاق المدارس، وأنّ الوزارة كان ينبغي أن تكون أكثر جاهزية واستباقاً للأحداث.
نقابيّون آخرون يصوّبون نحو فشل الحكومة في التحضير للأزمة، معتبرين أنّ النقاش الدائر حول التعليم يعكس ارتجالاً في إدارة الملف التربوي. ويدعو بعض النقابيِّين إلى ضرورة وضع خطة طوارئ شاملة تأخذ في الاعتبار حقوق جميع الطلاب في التعليم من دون تمييز، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاستثنائية التي تمرّ فيها البلاد.
في النهاية، يتضح أنّ أزمة التعليم في لبنان تتجاوز مجرّد قرارات إدارية أو تربوية، فهي تعكس تعقيدات سياسية واجتماعية أكبر، وتتطلّب حلولاً شاملة ومبتكرة تضمَن حقوق جميع الطلاب في التعلم والاستمرارية.