في خضم استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي لم تنجح المساعي الجارية لوقفه بعد، وفي موازاة ترقّب الردّ الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني الاخير لمعرفة المصير الذي ستتّجه اليه المنطقة بعده، أعلنت اسرائيل انّها اغتالت رئيس حركة «حماس» يحيى السنوار في رفح، فيما لم تؤكّد الحركة رسمياً هذا الاغتيال او تنفيه.
فيما غابت الغارات الإسرائيلية عن ضاحية بيروت الجنوبية طوال نهار امس، تواصلت هذه الغارات على المناطق الجنوبية والبقاع، موقعة مزيداً من الشهداء والجرحى ومدمّرة مزيداً من الممتلكات، فيما أوقعت المقاومة ضابطين وثلاثة جنود إسرائيليين قتلى خلال المواجهات الحدودية. في الوقت الذي لم يُسجّل اي حراك اقليمي ودولي لوقف النار، ما خلا صدور بعض المواقف الخجولة الداعية اليه.
وقد عرض رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لقاء بينهما أمس، لآخر التطورات السياسية والميدانية، في ضوء تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكان تقويم لنتائج الاتصالات الجارية محلياً واقليمياً ودولياً من اجل تحقيق وقف اطلاق النار. ثم عرض بري مع السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو لتطورات الاوضاع في لبنان والمستجدات السياسية وأجواء التحضيرات للمؤتمر الدولي الذي ستنظّمه فرنسا دعماً لبنان.
ولاحظت مرجعيات رسمية فتوراً في الاهتمام الدولي بالملف اللبناني، في الأيام الأخيرة. وردّت ذلك إلى فشل المبادرة الأميركية – الفرنسية في مجلس الأمن الدولي، وإلى عجز إدارة بايدن عن كبح جماح بنيامين نتنياهو في لبنان، خصوصاً أنّها باتت أكثر انشغالاً بالمعركة الرئاسية التي باتت على مسافة أسبوعين تقريباً.
لكن الأخطر هو الاقتناع المتنامي في بعض الأوساط الديبلوماسية، بأنّ إسرائيل لا تكترث كثيراً لما يجري في لبنان اليوم، لأنّ أولويتها في هذا الظرف هي الضربة التي تخطط لتوجيهها إلى إيران، بعدما حصلت على ما تطلبه من الدعم اللوجستي الأميركي. ولذلك، في رأي الأوساط، تتابع إسرائيل معاركها بوتيرة منخفضة نسبياً، سواء في لبنان أو في غزة. والدليل هو أنّ جنودها هناك وصلوا إلى يحيى السنوار بالمصادفة لا بالتخطيط. وفي اقتناع قادة حكومة الحرب في إسرائيل، أنّ نجاح الضربة المرتقبة لإيران يفترض أن يتكفل بإضعاف حلفائها كافةً في الشرق الأوسط، ولا سيما منهم «حزب الله» في لبنان.
الضعف الأميركي
في سياق متصل، استبعدت أوساط ديبلوماسية غربية نجاح المفاوضات الحالية بين إسرائيل ولبنان بالتوصل الى وقف إطلاق النار، في ظل رفض «حزب الله» تطبيق القرارات الدولية وفصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة، مقابل تعنت نتنياهو وتمسكه بشروطه وإصراره على مواصلة الحرب على الحزب، إلى جانب الضعف الكامن لدى الإدارة الأميركية الحالية بالضغط على حكومة إسرائيل عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وكشفت هذه الأوساط لـ«الجمهورية»، عن وجود قرار إسرائيلي بدعم أميركي ودول غربية وإقليمية للقضاء على «حزب الله»، عبر تدمير البنية القيادية والشعبية والاجتماعية، وتجفيف مؤسساته المالية وخطوط إمداده بالسلاح والصواريخ والمقاتلين، وإذا لم تنجح إسرائيل بذلك وفق الأوساط، فإنّها ستعمل بكل جهدها لإضعاف قوة الحزب وتقليص نفوذه ودوره الداخلي والإقليمي، وإجباره على الانسحاب إلى حدود الليطاني.
كذلك كشفت الأوساط أنّ القوات الإسرائيلية تريد إنشاء منطقة عازلة بعمق 5 كلم على طول الشريط الحدودي، تكون خالية كلياً من «حزب الله» والسكان المدنيين وحتى من الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل»، وتمنع عودة السكان الجنوبيين اليها حتى بعد انتهاء الحرب، لذلك تقوم بتدمير البشر والحجر في هذه المنطقة، وتستهدف مراكز الجيش اللبناني ومراكز قوات «اليونيفيل» وتطلب منها مغادرة المنطقة.
وأكّدت مصادر مطلعة في القوات الدولية لـ«الجمهورية»، وجود قرار لدى «اليونيفيل» بعدم الانسحاب من أي مركز لها في الجنوب، مشدّدة على أنّها باقية ولن تخضع للتهديدات الإسرائيلية. ولفتت المصادر الى أنّ إسرائيل تحاول الضغط والتهديد لدفع أي دولة من الدول المشاركة في القوات الدولية لسحب عناصرها، لتكرّ السبحة وتدفع بقية الدول إلى ذلك، وبالتالي تلزم قيادة «اليونيفيل» وربما مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار جامع بالانسحاب، ومن ثم تُخلى الساحة للقوات الإسرائيلية لتنفيذ مخططها بلا أي عوائق. وشدّدت المصادر على أنّ جميع دول الاتحاد الأوروبي المشاركة في «اليونيفيل»، ولاسيما منها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، لن تترك مراكزها في الجنوب بمعزل عن التطورات والأخطار المحدقة بها جراء الحرب بين «حزب الله» واسرائيل، نظراً للاهتمام الكبير الذي توليه هذه الدول للبنان والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وعلمت «الجمهورية» أنّ بعض الدول الأوروبية المشاركة في «اليونيفيل» هدّدت بتجميد أو قطع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل في حال تعرّض وحداتها للقصف. كذلك هدّدت الصين بالردّ على أي اعتداء إسرائيلي على مراكزها.