على وقع تحضيرها للردّ على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، تواصل إسرائيل عدوانها على لبنان بقصف جوي تدميري للجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وغيرها، أوقع أمس 23 شهيداً ونحو 100 جريح، ولم تحقق المساعي لوقف النار اي نتائج ملموسة بعد. فيما يدور حراك داخلي لتأمين توافق على انتخاب رئيس جمهورية جديد.
في خضم التحضير الإسرائيلي لمهاجمة ايران، برز تطور مفاجئ مساء أمس، تمثل في ما نقلته وكالة «رويترز» عن «مسؤولين ايرانيين «انّ «الاتصال فُقد بقائد فيلق القدس الإيراني اسماعيل قاآني، الذي كان في لبنان بعد اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ ضربات في بيروت الأسبوع الماضي».
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد أشارت إلى «انّ صمت كبار المسؤولين الإيرانيين بشأن مصير قاآني يثير الذعر في صفوف الحرس الثوري»، لافتةً إلى أنّ قاآني سافر الأسبوع الماضي إلى بيروت للقاء مسؤولين كباراً في «حزب الله».
لكن وكالة «إيسنا» الإيرانية افادت نقلاً عن مصدر في الحرس الثوري، انّ قاآني موجود في طهران ولم يسافر إلى بيروت، نافية إصابته جراء هجوم إسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، بحسب ما ذكر بعض وسائل الإعلام.
وأوضح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أنّ «الهجوم الصاروخي على الكيان الصهيوني كان بهدف كبح وحشيته ومنعه من توسيع جرائمه في المنطقة»، لافتاً الى أنّ «عمليتنا تمّت وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وتمّ ضرب الأهداف العسكرية فقط».
وأشار بزشكيان، إلى أنّ «هجومنا على الكيان الصهيوني كان لإحلال السلام في المنطقة واحتواء التوترات التي يسببها»، مضيفاً: «امتنعنا عن ردّ فوري على عملية اغتيال ضيفنا الشهيد هنية على أمل نجاح جهود وقف إطلاق النار».
الموقف الإسرائيلي
وإلى ذلك، ذكرت القناة 13 الإسرائيلية، انّ وزير الدفاع الاسرائيلي يوأف غالانت سيبحث في واشنطن بعد غد الأربعاء التصعيد مع إيران، والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة.
وقال غالانت امس من قاعدة نيفاتيم الجوية التي أصابتها الصواريخ الايرانية «إنّ إيران لم تمسّ بقدرات سلاح الجو الإسرائيلي». وأضاف: «لم تتضرّر أي طائرة ولم يتمّ تعطيل أي سرب، ومن يعتقد أنّ محاولة إلحاق الأذى بنا ستمنعنا من العمل، فعليه أن ينظر إلى غزة وبيروت».
ونقلت «سكاي نيوز عربية»، عن مصادر «أنّ إسرائيل تريد أن توسّع الردّ على طهران ليشمل إيران والعديد من أجنحتها في مناطق متعددة». وأفادت «أنّ إسرائيل تريد قصف العديد من النقاط الحيوية التي تؤثر على إيران عسكرياً واقتصادياً».
وأوضحت أنّ بعض الدول نصحت واشنطن بضرورة الضغط على إسرائيل لعدم تجاوز الخطوط الحمر. وأضافت، أنّ إسرائيل «تريد قطع شبكات الإمداد التي تستخدمها طهران لتزويد حلفائها السلاح».
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، اشارت وزارة الخارجية الأميركية في تصريح تعليقاً على القصف الإسرائيلي على لبنان، إلى «انّ الضغط العسكري يتيح الديبلوماسية في بعض الأوقات، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى سوء تقدير». ولفتت إلى انّ «لإسرائيل الحق في تعقّب أهداف للمتطرّفين، لكن ينبغي عدم استهداف البنية التحتية المدنية»، وقالت: «نواصل التشاور مع إسرائيل وهدفنا التوصل إلى هدنة في لبنان لإتاحة المجال للديبلوماسية».
نتنياهو
من جهته، أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى «أننا تلقينا ضربة قوية قبل سنة في 7 تشرين الاول 2023، وعملنا خلال السنة الماضية على تغيير الواقع». وقال للجنود الإسرائيليين عند الحدود مع لبنان، «معاً سنقاتل ومعاً سننتصر»، ولفت إلى «انّ جنودنا يفكّكون البنية التحتية التي أنشأها حزب الله لمهاجمة أراضينا».
واشار موقع «أكسيوس» نقلاً عن أحد مساعدي نتنياهو، إلى انّ رئيس الوزراء الاسرائيلي «يشعر بأنّه منتصر».
فيما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي قال في كلمة للجنود في الذكرى الأولى لعملية طوفان الاقصى .»إنّ القوات الإسرائيلية هزمت الجناح العسكري لحركة حماس». ولفت إلى انّه «مضى عام، وقد هزمنا الجناح العسكري لحماس. وجّهنا ضربة شديدة إلى حزب الله الذي خسر كامل قيادته العليا. لن نتوقف».
لكن القناة 12 الإسرائيلية أشارت الى «انّ قواتنا البرية تتعرّض لكمائن في جنوب لبنان وتواجه القذائف المضادة للدروع».
وتحدثت تقارير إسرائيلية، بأنّ مساحة الحرائق المندلعة خلال العام الفائت بسبب الحرب بلغت 340 ألف دونم، وهي مساحة غير مسبوقة.
وكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي ادرعي، في منشور على حسابه عبر منصة «اكس»: «بناءً على تقييم الوضع تقرّر الإعلان عن منطقة عسكرية مغلقة في منطقة منارا ويفتاح وملكيا على الحدود اللبنانية». وختم: «ممنوع الدخول إلى هذه المناطق».
«اليونيفيل».. قلق بالغ
وعبّرت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» في بيان امس عن «قلق بالغ من الأنشطة الأخيرة للجيش الإسرائيلي القريبة من موقع المهمّة داخل لبنان». ولفتت إلى انّ «هذا تطور خطير للغاية ومن غير المقبول المخاطرة بسلامة أفراد المهمّة».
حزب الله
وعلى صعيد موقف حزب الله، أشار عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب امين شري في تصريح تلفزيوني، إلى انّ المطلوب وقف العدوان على لبنان، وأن تطبّق اسرائيل القرارات الدولية بشأن غزة.
ولفت شري إلى انّ «بياناتنا هي إسناداً لغزة ودفاعاً عن لبنان، والمطلوب وقف العدوان على لبنان، وحين يتوقف لكل حادث حديث ونقطة على السطر». واكّد بأنّ «المطلوب وقف العدوان الإسرائيلي الذي ينتهك سيادتنا وحريّتنا، ووقف الإبادة التي تتعرّض لها المناطق السكنية في بلدنا».
ونقلت وكالة «رويترز» عن المسؤول في حزب الله، محمود قماطي، قوله «إنّ الحزب يُدار داخليًا بشكل مشترك في الوقت الحالي». وأشار إلى «أنّ عملية تعيين أمين عام جديد للحزب ستستغرق بعض الوقت»، مشيرًا إلى «أنّ الظروف الحالية تعوق هذا الإجراء».
وفي ما يتعلق بمصير رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين، أكّد قماطي «أنّ إسرائيل لا تسمح بتقدّم عملية البحث في الأنقاض، مما يزيد من تعقيد الوضع داخل الحزب».
الاستحقاق الرئاسي
على صعيد الاستحقاق الرئاسي، جرى اتصال هاتفي قبل يومين بين الرئيس نبيه بري والموفد الفرنسي جان إيف لودريان، تمّ خلاله البحث في تطورات العدوان الاسرائيلي على لبنان، كذلك ثمّن لودريان الموقف المتعاون لبري من أجل إنهاء الشغور الرئاسي على قاعدة انتخاب رئيس توافقي للجمهورية.
وضمن سياق متصل، قالت اوساط سياسية مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ بري أبدى مرونة كافية لتسهيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، مشيرةً الى انّ تخلّيه عن التمسك بإجراء حوار يسبق جلسة انتخاب الرئيس ودفعه نحو اعتماد الخيار التوافقي، يعكسان تحسساً بالمسؤولية وبدقة المرحلة الحالية، والمطلوب من الآخرين ملاقاته في هذا المنحى الإيجابي للمبادرة من دون إبطاء إلى انتخاب رئيس لا يشكّل تحدّياً لأحد، خصوصاً انّ معالجة تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان وتحصين الجبهة الداخلية في هذه الظروف الخطرة يستوجبان ملء الشغور في قصر بعبدا.
تصور المعارضة
وفي إطار الردّ الذي بدأت مؤشراته تظهر على المبادرة الثلاثية التي أطلقها الرئيسان بري وميقاتي ومعهما السيد وليد جنبلاط، يعقد عدد من نواب قوى المعارضة وتشكيلاتها من الكتل النيابية مؤتمراً صحافياً ظهر اليوم في قاعة المؤتمرات الصحافية في مجلس النواب، لطرح ما سُمّيت «رؤيتهم المشتركة لإنقاذ لبنان من آتون الحرب وتبعاتها وإعادة بناء مؤسسات الدولة».
وقالت المصادر التي شاركت في التحضيرات لهذا الموقف اليوم لـ«الجمهورية»، انّها قصدت التجاوب مع كل مبادرة تنهي فترة خلو سدّة الرئاسة، ولكن ليس وفق ما تعتبره مصلحة لبنانية عليا بمعزل عن المصالح الصغيرة والتي يريدها البعض على قياسه، متجاوزة في هذه المرحلة الدقيقة ما لقيته مبادراتها السابقة وطريقة التعاطي معها باستعلاء وسخرية غير مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية وصولاً، إلى ما بلغه الوضع في لبنان وسقوط كثير من السيناريوهات الوهمية بتكلفتها العالية عليهم وعلى لبنان في آن.
حراك نيابي بين الكتل
وعلى المستوى النيابي، كشفت مصادر نيابية مطلعة لـ«الجمهورية»، انّه وبالإضافة الى الحراك الذي قاده موفدو الرئيس السابق للحزب «التقدمي» وليد جنبلاط على الكتل النيابية، يواصل وفد من نواب كتلة «الاعتدال الوطني» النيابية اتصالاتهم ما بين غد والخميس المقبل، مع أعضاء الكتل النيابية الأخرى، للتشاور في محاولة لتوليد آلية يمكن ان تؤدي الى رسم خريطة طريق إلى الصيغة التي أطلقها النداء الثلاثي من عين التينة، وترجمته إلى آلية يمكن ان تؤدي الى تكوين أكثرية الثلثين ما فوق الـ86 نائباً وما يفيض على 90 على الاقل، حول مجموعة صغيرة من الأسماء التي يمكن أن تدفع ببري إلى الدعوة الى جلسة انتخاب تليها دورات متتالية ولو أخذت اياماً عدة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ هناك اقتراحاً يقول بالدعوة الى جلسة انتخابية تليها دورتان أو ثلاث دورات، على ان يأخذ المجلس فرصة ليومين لا اكثر، يليها خليط من جلسات انتخابية واخرى للتشاور بين جدران المجلس النيابي، سعياً الى اسم توافقي، وإن لم يحصل ذلك وبقيت العملية محصورة في المرحلة الأولى بإسمين، يمكن عندها الذهاب الى جلسة انتخابية للفصل النهائي بينهما، وخصوصاً إن كانا من لائحة المتوافقين عليهما ولا يشكّل اي منهما تحدّياً او استفزازاً لأحد.
وانتهت هذه المصادر بالقول، «إنّ التقليل من أهمية تراجع بري عمّا سُمّي جلسة حوار او تشاور، يمكن أن تشكّل فرصة ايجابية. وهو بهذه الخطوة يترجم موقفاً موحّداً لـ«الثنائية الشيعية» مهما قيل عن موقف «حزب الله» بإصراره على اولوية وقف النار على الخيار الرئاسي وعدم الحاجة للتوجّه الى مثل هذه الخطوة، وخصوصاً أنّ وجوده يشكّل الضمان الشرعي للحزب للخروج من المأزق. فالعالم يدفع في اتجاه تكوين سلطة شرعية كاملة المواصفات الدستورية التي يوفّرها رئيس الجمهورية لتقود البلاد وتؤمّن حضور لبنان على المستوى المطلوب».
الحراك الفرنسي
على صعيد آخر، قالت مصادر ديبلوماسية اوروبية لـ«الجمهورية»، انّ عودة وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو الى بيروت كانت واردة قبل الخميس الماضي، بعدما تبين له انّ المسؤولين اللبنانيين لم يوفقوا بعد في اتخاذ بعض المواقف المطلوبة، ليس على المستوى الفرنسي فحسب إنما على المستوى الدولي، نتيجة المشاورات التي رافقت النداء الاميركي ـ الفرنسي ـ الدولي الذي أُطلق من نيويورك نهاية الشهر الماضي، قبل أن تبدا جولته المبرمجة سلفاً في المنطقة، والتي شملت حتى الأمس الرياض وتل أبيب قبل ان يزور عمان والقاهرة.
وانتهت المصادر الى القول، انّه وإن طرأ اي تقدّم فقد يعود الى بيروت، مع انّ عودته مستبعدة في ظل التصعيد العسكري في الجنوب وعدم القدرة على تثبيت وقف النار واستحالة الفصل بين الوضع في جنوب لبنان وغزة.