كثيرًا ما يكشف لنا الموت عن الأسرار الغائرة في الشخصيات القائدة، فكيف بالإستشهاد الذي يعدّ أرفع وسام يناله الحرّ.
نخطئ إذا اكتفينا بالنظر إلى نتائج الحرب، من زاوية القهر الممارس من قبل العدو الصهيوني، وعمليات الإغتيال التي نفّذها ضدّ المقاومة وبالخصوص اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي حمل عبء مشروع المقاومة والتحرر طوال عقود، إلى جانب «الأخ الأكبر» (كما كان يحبّ أن يوصفه) رئيس حركة «أمل»، دولة الرئيس نبيه برّي، وخاضا معًا حروبًا ومواجهات، من أجل حماية هذا المشروع وتقويته، ليس فقط بالسلاح والمال، وإنما أيضًا، بالسياسة، والثقافة، والالتزام، وصنعا معًا بنيانًا متينًا له. نخطئ إذا اعتبرنا أنّ هذه العمليات قد أحدثت اختلالًا في ميزان القوى، سواء على مستوى الداخل، أو على مستوى التوازن بين المقاومة والعدو الصهيوني، فيما واقع الحال ينبئ بخلاف ذلك، وهو مرشح للتطور وقطع الشك باليقين في المقبل من الأيّام.
نخطئ أيضًا، إذا اعتبرنا الحرب فرصة، وكأنّ محاولة تحطيم مكوّن من مكوّنات لبنان بالحرب، لن تتحرّك بصماته العميقة في التفكير والوجدان الشعبي، والسلوك اليومي.
لا يغيب عن بالنا، وإن غاب عن بال البعض، أنّ قيادة المقاومة فقدت ركنًا أساس من أركانها. لكن الركن الأساس الآخر ما زال في الميدان، ما زال نبيه برّي يتابع قيادته لهذا المشروع وتدعيمه له، وسيكون إلى جانبه عمّا قريب ركن أساس قائد عندما تسمّي قيادة «حزب الله» أمينها العام الجديد.
القلم رمز كتابة الذات، وها نحن نكتب ذاتنا بالحبر مثلما نكتبها بالدماء. نختصر هنا مأساة تعاطي اللبناني مع نفسه، أليس اللبناني نفس اللبناني؟ أم أنّ هناك رأياً آخر؟ ألسنا كلنا أهدافاً محتملة لمطامع العدو الصهيوني؟ التاريخ يقول لنا، بلى.
عندما يُتاح لنا أن نحمي بلدنا وندافع عن الأطماع هذه أو أن نرسم حدود مصالح لبنان العليا الطبيعية، فلماذا يراد أن نرسم حدوده بغير لون؟ اللون التفتيتي، أو الإنعزالي أو الاستقوائي!!!
لا ريب أنّ اللبنانيين وسائر الشعوب الحرّة قد أصيبوا بالرهبة من هول صدمة الاغتيال الذي نفّذه العدو الصهيوني ضدّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وأنّ هذه الصدمة انعكست على البعض حزنًا وعلى آخرين إحباطاً وشعوراً بالضعف، وأخذ المشككون والمطبلون يلعبون بأعصاب الناس، ويضربون على وتر الخيانة والتخلّي عن المقاومة، كمشاركة منهم في المحاصرة الجديدة لمكوّن أساسي من المكونات اللبنانية.
كان ذلك مشهدًا من مشاهد تحطيم الذات، وكان على لبنان أن يُصاب بحصار ذاتي يُضاف إلى الحصار الخارجي، لا ريب أنّ المقاومة والمجتمع المقاوم راح يؤكّد قوته بالصبر والتماسك بعد كلّ ما جرى عليه، بحرب مختلفة قوامها. تنظيم المشاعر والأفكار وفصل المصائب والموجعات عن ضرورات الاستمرار والمواجهة من أجل تحقيق الانتصار.
هل نفاجئ أحدًا حين نقول إنّ تنظيم المشاعر والأفكار سببٌ رئيس ومصدر أساس، لمواصلة المواجهة وتحقيق الانتصار؟
الآن، وخصوصًا بعدما أعلن العدو بدء مرحلة غزو برّي للبنان، سواء أكان محدودًا أم غير محدود، لا فارق، تطفو على السطح أخبار المواجهة التي ينبغي ان تُقرأ من زاوية مخالفة ومختلفة عن الرواية الإسرائيلية، وتلك الغربية الشريكة في سفك دمائنا.
ما زالت المقاومة تجدد نفسها، وما زال مجتمع المقاومة يجدد عهده ووعده بالوقوف إلى جانب المقاومة، كحاضن ولّاد لها.
ولئن وقعت علينا المصائب فقد وقعت قبل ذلك، فالصبر ثقافتنا وعادتنا، وعنصر ثباتنا وقوتنا. وهو دلالة الإنتصار الآتي.