في ضوء الحجم الهائل للدمار والرعب والمجازر التي أصابت لبنان أمس، وتهديدات إسرائيل بالمزيد، هناك من يتوقع أن تكون المرحلة الآتية من العملية العسكرية الإسرائيلية ثقيلة جداً. وقد وجّه الإسرائيليون نداءات هي الأولى من نوعها إلى الأهالي في لبنان تدعوهم إلى إخلاء المساكن التي يوجد فيها مقاتلون من «الحزب»، حتى خارج الجنوب، كالبقاع مثلاً، لأنّها ستُستهدف بغارات مدمّرة. وهذه التحذيرات تذكِّر بتلك التي دأب الجيش الإسرائيلي على إطلاقها في حرب غزة، عندما يريد ضرب الأحياء السكنية، بما فيها من منشآت مدنية وبنى تحتية حيوية.
وكان اللافت أنّ إسرائيل تفاعلت ببطء يوم الأحد مع موجات الصواريخ التي وجّهها «حزب الله» إلى العمق الإسرائيلي، حيث نجح في إصابة أهداف حيوية اقصادياً وعسكرياً في حيفا، ما شكّل إعادة اعتبار معنوية جزئية له، بعد الضربات الأمنية والسيبرانية التي تلقّاها أخيراً، إذ أظهر قدرة على الاستمرار في المواجهة من دون إرباكات كبيرة. والدليل هو أنّه تمكّن من إطلاق مئات الصواريخ من منصّات كثيرة تتوزع في أرجاء الجنوب، على رغم من محاولات إسرائيل تعطيلها بالغارات الجوية. وفي اعتقاد بعض الخبراء أنّ إسرائيل أرادت أن تكشف يوم الأحد القدرات التي ما زال يتمتع بها «الحزب»، عقب الضربات الثلاث الكبرى التي تلقّاها الأسبوع الفائت، وسعت إلى تحديد مواقع منصاته الصاروخية الباقية، والاستعداد للخطة التي بدأت تنفيذها أمس.
هذه الخطة، وفق ما تكشفه الأحداث الجارية ميدانياً، تهدف إلى تنفيذ 4 أهداف: هناك هدفان كان جرى إقرارهما في المرحلة السابقة، وهدفان جديدان بالغا الأهمية أيضاً، ويشكّلان الغاية التي يُراد الوصول إليها.
الهدفان الأولان هما:
1- متابعة تدمير هيكلية منظومة الاتصالات الخاصة بـ«حزب الله». وهذه العملية بدأتها إسرائيل باكراً باستهداف المقاتلين والكوادر من طريق الهاتف الخلوي، ثم طورتها إلى استهداف هؤلاء الكوادر بواسطة أجهزة النداء واللاسلكي التي تمّ خرقها وتفجيرها بحامليها. ويخشى الخبراء أن تشهد هذه العمليات فصولاً جديدة أشدّ خطورة في المراحل المقبلة، لأنّ إسرائيل تمتلك القدرات التي تسمح لها بتحقيق إنجازات في هذا المجال.
2- المضي في استهداف الرؤوس القيادية الميدانية التي لا يمكن لـ«الحزب» أن يدير المعارك من دونها. وقد بدأت إسرائيل مخططها هذا باستهداف فؤاد شكر، ثم عمدت إلى اغتيال خلفه ابراهيم عقيل ونخبة الأركان في فرقة «الرضوان».
وأما الهدفان الجديدان المهمّان جداً فهما:
1- توسيع إطار الحملات التدميرية لمنصات صواريخ «الحزب» ومخازنها، إلى مناطق نائية لم تصل إليها الغارات قبل اليوم. وهذا يفسر شمول الغارات في اليومين الأخيرين مناطق عدة في بعلبك والهرمل وجبل لبنان. وهذا يعني في نظر المراقبين أنّ ما تريده إسرائيل لم يعد فقط ضمان عدم وجود تهديد صاروخي من «الحزب» من مسافة كيلومترات عدة في الجنوب، بل هي تريد إنهاء منظومته الصاروخية عموماً، لئلا تشكّل لها في أي يوم تهديداً من أماكن وجودها خارج الجنوب، ولا سيما منها البقاع.
2- وهذا هو الأهم، ستنصرف إسرائيل في هذه المرحلة إلى تحقيق هدفها الأساسي، أي إنشاء المنطقة العازلة في الجنوب، حتى خط الليطاني. وفي رأي البعض أنّ ما تريده إسرائيل واقعياً هو نقل خط المواجهة مع «حزب الله» من الحدود اللبنانية – الإسرائيلية إلى نهر الليطاني. ولهذه الغاية، هي تعمل على مسح المنطقة الحدودية بالنار، وبنحو حثيث، وعلى الأرجح ستستمر في ذلك على مدى أيام أو أسابيع. وثمة من يقول إنّ إسرائيل قد تقوم بالتوغل براً إلى بعض المواقع، بعد ذلك. وستؤدي هذه العملية إلى إخلاء المنطقة الواقعة جنوب الليطاني من سلاح «حزب الله» ومقاتليه، فيصبح النهر هو خط التماس الجديد، بدلاً من الخط الأزرق، وتصبح الحرب دائرة في داخل الأراضي اللبنانية، لا بين لبنان وإسرائيل.
وهذا الخيار يفسّر قول نتنياهو: سنعيد سكان الشمال إلى منازلهم، وإذا لم يقتنع «حزب الله» بذلك الآن، فإنه سيقتنع لاحقاً.
وهذا يعني أنّ ما ينتظر «حزب الله» ولبنان، وخصوصاً المنطقة الواقعة جنوب الليطاني وشماله، سيكون أكبر وأخطر من الجاري اليوم، وأنّ إسرائيل لن توقف حربها هذه المرّة إلّا بعد «اقتناع» «حزب الله» بالتوصل إلى تفاهمات جديدة في الجنوب، بضمانات دولية، تبعد تماماً أي خطر يمكن أن يشكّله على إسرائيل، ولسنوات عدة مقبلة. وفي الطريق إلى تحقيق هذه الغاية الإسرائيلية، مقدار الألم اللبناني سيكون كبيراً.