هي «معركة حساب مفتوح» وليست «حرباً شاملة»، قرّر «حزب الله» أن يخوضها ضدّ اسرائيل رداً على العمليات الإجرامية التي شنّتها ضدّه طوال الاسبوع الماضي، وكانت «الدفعة الاولى على الحساب» القصف الصاروخي والمسيّر العنيف الذي طاول فجر أمس وصباحه حيفا وما بعد حيفا، وطاول بعض الأهداف الحسّاسة التي رصدها «هدهده المسيّر» قبل اسابيع، ومنها قاعدة رامات دافيد الجوية ومصانع «رافائيل» العسكرية ومواقع عسكرية حسّاسة، في الوقت الذي واصل الطيران الحربي اعتداءاته على المنطقة الجنوبية وجوارها، فيما توعدت القيادة السياسية والعسكرية في تل ابيب «حزب الله» بشن مزيد من الهجمات، دافعةً بتعزيزات عسكرية إلى المنطقة الشمالية، موحية بأنّها تستعد لغزو برّي.
أوحى ردّ «حزب الله» النوعي على الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، أنّ الحزب استوعب الضربات الاخيرة التي تلقّاها واستطاع احتواء هزّاتها الارتدادية على جسمه العسكري ومنظومة التحكّم والسيطرة لديه.
وبهذا المعنى، فإنّ قصف حيفا ومحيطها بصواريخ «فادي 1» و«فادي 2» كان مؤشراً واضحاً إلى أنّ الحزب لم يحتج إلى وقت طويل لكي يعيد ترتيب أوراقه التي بعثرها عصف الاستهدافات الإسرائيلية المتلاحقة لبنيته العسكرية وبيئته الحاضنة، والأهم انّ قوة ضربة حيفا ونجاحها اثبتا انّ المقاومة تمكنت من إعادة وصل ما انقطع في السلسلة القيادية جرّاء تفجيرات «البيجر» واللاسلكي، والغارة التي استهدفت القائد ابراهيم عقيل ورموز قوة الرضوان.
وبناءً عليه، يُستدلّ من الهجوم الصاروخي على قاعدة ومطار رامات ديفيد ومجمع «رفائيل» للصناعات العسكرية في منطقة حيفا، انّ المقاومة تريد أن تقول للإسرائيلي إنّها لم تستعد الوضعية التي كانت عليها قبل مجزرتي الثلاثاء والأربعاء والغارة على الضاحية فحسب، بل هي حققت وثبة إلى الأمام عبر الارتقاء في التصعيد المضاد نحو استهداف حيفا التي تقع على مسافة اكثر من 50 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية وبصواريخ جديدة لم يسبق أن تمّ استخدامها، وذلك تطبيقاً للقاعدة التي كان قد وضعها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وقوامها: «بتوسّع منوسّع».
واللافت في ردّ الحزب الأولي، انّه كان تصاعدياً ومحسوباً في الوقت نفسه، بمعنى انّه تجاوز قواعد الاشتباك السابقة انما من دون أن يذهب إلى المواجهة الشاملة، مع ما يتطلّبه تطبيق هذه المعادلة من دقّة في المزج بين «المقادير المدروسة».
ولعلّ أهم ما في ردّ «حزب الله» ليس ما ظهر منه فقط بل ما لم يظهر أيضاً، إذ انّ الحزب تقصّد أن يوحي، في سياق رسائله المتعددة، بأنّ قصف حيفا ليس سوى مثال حي ومصغّر عن جهوزيته لخوض الحرب الشاملة بلا ضوابط اذا فُرضت عليه، وعن قدرته على توسيع دائرة الاستهداف إلى ما بعد بعد حيفا متى لزم الأمر، خصوصاً انّ الصواريخ التي استعملها في الهجوم الاخيرهي من النوع المتوسط ولا تنتمي إلى عائلة الصواريخ الدقيقة التي لم يستخدمها الحزب حتى الآن.
ويجدر التوقف في هذا الاطار عند اعلان الشيخ نعيم قاسم خلال تشييع القائد الشهيد ابراهيم عقيل عن دخول المقاومة في «مرحلة جديدة عنوانها الحساب المفتوح» والتي ستواصل خلالها إسناد غزة «وبين الحين والآخر نقتلهم من حيث يحتسبون ولا يحتسبون»، موضحاً انّ ما جرى هو «دفعة على الحساب».
وبذلك أراد الحزب ان يبلغ إلى الاسرائيلي أنّ ما أصاب حيفا ومحيطها هو أول الغيث على مستوى هذا النمط من الردود، وانّ عليه ان يتهيأ لتسديد أثمانٍ إضافية في سياق الفاتورة التي يجب أن يدفعها عقاباً على مجازره خلال الاسبوع الماضي، وذلك بمعزل عن خيار المواجهة الشاملة التي لها حسابات أخرى.
واستطراداً، بدا الحزب معنياً بأن يُفهم الاسرائيلي انّه لن يسمح له بأن ينفرد في رسم قواعد الاشتباك الجديدة وفق ما يناسبه، ولن يدعه يفرضها على المقاومة حتى لو تمكن في بعض المراحل من إلحاق الأذى بها وببيئتها، أي أنّ الحزب أراد ان يعطّل الأهداف التكتيكية لهجمات الاسبوع الماضي الى جانب الاستمرار في تعطيل الأهداف الاستراتيجية للعدو والمتمثلة في فصل جبهة الجنوب عن غزة وإعادة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال بالقوة. حيث تبين امس انّ على الجبهة الداخلية في الكيان ان تستعد لاستقبال مزيد من النازحين وليس العكس. وأكّد قاسم، أنّ «إسرائيل ارتكبت 3 جرائم حرب مؤلمة بالنسبة إلينا، وهي تمثّل أعلى درجات التوحّش»، موضحًا أنّ «إسرائيل استهدفت الأطفال والمسعفين والصيدليات والمنازل وكل حياة شريفة آمنة ولم تستهدف المقاتلين فقط، وحتى هذا لا يبرر لها استهداف المدنيين».
وقال: «إبراهيم عقيل كان قائدًا للعمليات وأسس قوّة «الرضوان»، وهو شهيد القدس وفلسطين أرقى ميادين الجهاد». واضاف: «إنّ إسرائيل كانت تريد من عملية الاعتداء على قادة الرضوان شلّ المقاومة وتحريض بيئتها عليها وإيقاف جبهة المساندة لغزة لإعادة سكان الشمال، لكن المقاومين عطّلوا هذه الأهداف»، مشيرًا إلى «أننا سرعان ما تغلّبنا على الصدمة وعدنا إلى مواقعنا أقوى وأصلب ويؤازرنا الناس». وقال: «أيها الأميركيون أصبحتهم في الأسفل ولن يصدّقكم أحد وستلحقون بإسرائيل التي ستنهار حتمًا». وشدّد على أنّ «جبهة الإسناد اللبنانية مستمرّة مهما طال الزمن إلى أن تتوقف الحرب على غزة»، وقال: «لن نحدّد طريقة الردّ على العدوان، ودخلنا في مرحلة جديدة عنوانها معركة الحساب المفتوح»، معتبراً انّ «ما جرى ليلة أمس (في إشارة إلى قصف حيفا) دفعة على الحساب في معركة الحساب المفتوح وراقبوا الميدان».