قبل لملمة ذيول عملية “يوم الأربعين” التي نفذها “حزب الله” وما انتهت اليه بعد اصطدامها بـ “سلامة تل ابيب” الاستباقية تلاحقت المواقف التي أحيت الحديث عن الردين الايراني واليمني منذ اغتيال اسماعيل هنية وقبله قصف الحديدة. وكذلك تلاحقت التهديدات الايرانية، ومعها التحذيرات الاميركية والدولية بطريقة أوحت بفشل المفاوضات الجارية في شأن وقف النار في غزة لينعكس على بقية الجبهات. وهو امر يعني ان المنطقة لن ترتاح بغض النظر عن انعكاسات ما هو متوقع على الداخل اللبناني. وعليه ما هي المؤشرات الدالة على ما هو منتظر؟
بعد 36 ساعة على انتهاء المواجهة الاخيرة بين اسرائيل و”حزب الله” بساعاتها الثلاثة صباح الاحد الماضي، و24 ساعة على اطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتقييم العملية ونتائجها الاولية انطلقت المواقف التي تتحدث عن الردين الايراني واليمني بطريقة غير مألوفة وكأن اي منها قد وضع على النار بفعل الفصل الذي كشف عنه السيد نصرالله نتيجة الاتفاق بين اطراف “محور المقاومة” على ان يتولى كل منهم الرد على طريقته وكما يشتهيه مما يبقي القلق قائما على مصير الوضع في المنطقة. ليبقى ما هو ثابت أن ايا منها لن يؤدي الى اشعال المنطقة والانقياد الى حرب شاملة بمعزل عن حالة الاستنفار التي تحتفظ بها اسرائيل كونها الطرف الوحيد في المواجهة المفتوحة مع الجميع من دون تجاهل القوى التي يجمعها الحلف الدولي الى جانبها ودفاعا عنها.
على هذه الخلفيات تركزت القراءات الديبلوماسية والعسكرية التي رصدت ما يكفي من المؤشرات بأن اقفال الرد الخاص بـ “حزب الله” ردا على إغتيال فؤاد شكر وطيه مؤقتا بما انتهى اليه، لم يوقف الحرب بعد. وأنه كان وسيبقى من اولى الحلقات المترابطة من مسلسل “الردود الحتمية” التي هدد بها المحور، من باب الواجبات الدينية والسياسية والامنية والاخلاقية والعسكرية التي لا مفر منها. وتعزيزا لهذا المسار يمكن التوقف عند بعض الملاحظات التي عكستها مواقف الأطراف المختلفة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– على المستوى الايراني فقد تعددت المواقف التي احيت الحديث عن رد طهران بطريقة لا جدال فيها مع الإحتفاظ بساعة الصفر لإبقاء الجانب الاسرائيلي قلقا مما هوآت. ومن أبرز الدلالات يكمن في المواقف ومنها تلك التي نسبت الى كل من وزير الخارجية الجديد عباس عرقجي الذي أكد “أن بلاده سترد حتماً على اغتيال هنية في قلب طهران”. مشددا على “أن طهران لا تخشى التصعيد” وملمحا الى “أن الرد سيكون مدروساً”. وهي مواقف شكلت تتمة لمضمون بيان صدر عن وزارته حذر مما سماه “المغامرة الجديدة للصهاينة بتجاوز الخطوط الحمر للأمة الإسلامية”، في اشارة الى التهديد ببناء كنيس يهودي قرب حائط المبكى من ضمن منشآت المسجد الأقصى في القدس. ملمحة إلى “أن المسلمين وأحرار العالم وبصوت واحد يعلنون دعمهم لفلسطين والمسجد الاقصى ويطالبون بمحاكمة الصهاينة”. وهو ما تلاقى بفارق دقائق قليلة مع موقف لنائب وزير الدفاع الإيراني حجة الله قريشي الذي قال “إن موعد إنتقامنا لاغتيال هنية سيكون مفاجئا ومتناسبا”. مؤكدا “أن إسرائيل يجب أن تعيش حالة من القلق النفسي نتيجة لذلك”. علما ان هذه المواقف ترافقت وبث وسائل الإعلام الإيرانية شريطا مصورا يتحدث عن قدرات إيران والمحور، ويتحدث عن الزامية الرد على ما جرى من اغتيالات من دون ان تخضع ايران لأي تهديد كما سبق للرئيس الايراني الجديد مسعود بزشكيان ان رفضها في مناسبات عدة.
– على المستويين اليمني والعراقي فقداكد الحوثيون في بيان لهم “أن الرد القوي والفاعل على اغتيال شكر من جانب حزب الله لا يزال مفتوحا”، وأن ردّهم “آت حتماً والأيام والليالي والميدان هي ما سيثبت ذلك”. كذلك توعدت بعض الفصائل العراقية أيضاً بشن “هجمات مقبلة” للغاية والأهداف عينها.
– على المستوى الاميركي، فقد عبرت قرارات وزير الدفاع لويد اوستن التي اعقبت ارتياح القادة الاميركيين لمرور قطوع الاحد بأقل الاضرار الممكنة على السلم الاهلي في المنطقة. عن الحاجة الى ابقاء في حال استنفار وترقب للردود الاخرى، وهو ما كشف عن تفاصيله، في صراحة ووضوح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال سي.كيو. براون، الذي قال: “إن المخاطر على المدى القريب لاتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط قد انحسرت إلى حد ما بعد تبادل إسرائيل و”حزب الله” إطلاق النار من دون حدوث مزيد من التصعيد، لكن إيران لا تزال تشكل خطراً كبيراً في درسها توجيه ضربة لإسرائيل”. وقال براون بعد رحلة استغرقت ثلاثة أيام في منطقة الشرق الأوسط “أن هجوم «حزب الله» كان واحداً فقط من هجومين كبيرين هدد بشنهما ضد إسرائيل في الأسابيع الأخيرة. كما تهدد إيران بشن هجوم على خلفية مقتل زعيم حركة “حماس” في طهران الشهر الماضي”. وبعد اشارته الى “الاخطار التي يمثلها حلفاء إيران المسلحون في أماكن مثل العراق وسوريا، والذين يهاجمون القوات الأميركية”، وكذلك “الحوثيين في اليمن الذين يستهدفون حركة الشحن في البحر الأحمر، كما أطلقوا طائرات مسيرة على إسرائيل”، انتهى الى التاكيد أن “الجيش الأميركي في وضع أفضل للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل وقواته في الشرق الأوسط مما كان عليه الأمر في 13 نيسان، عندما شنت إيران هجوماً غير مسبوق على إسرائيل”. مدعيا “أن إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاء آخرين تمكنوا من تدمير كل الأسلحة تقريباً قبل أن تصيب أهدافها”.
أما على المستوى الاسرائيلي فقد اطمأنت إسرائيل الى انها لم تتكبد اي خسائر بعدما نجحت، بحسب وزير دفاعها ومسؤولين آخرين، بإمكاناتها الذاتية في التصدي للصواريخ الآتية من لبنان من دون ان تخفي الدعم العملاني والإستخباري الاميركي الذي تعاون معها في كشف ساعة الصفر التي اعتمدها “حزب الله” لاطلاق عملية “الاربعين”. وهي أدركت أهدافها قبل انطلاقها في المنطقة الوسطى من البلاد وتل أبيب ومحيطها حيث القواعد العسكرية الأكثر حساسية بدليل تسميتها “سلامة تل ابيب” قبل ان يكشف “حزب الله” عن اهداف العملية في خطاب أمينه العام مساء. كذلك تصرفت بسرعة فائقة بإلغاء حال الاستنفار بعد ساعات قليلة لتأكيدها ان العملية محدودة.
وبناء على ما تقدم، فقد خلصت المراجع الديبلوماسية والاستخبارية الى مجموعة من الخلاصات التي عبرت عنها معركة الساعات الثلاث. فاعتبرت انها “انقذت وجه الإثنين معا” حزب الله واسرائيل ولو بشكل متفاوت وانهما ابتعدا عن النصر المحقق في انتظار اي تسوية. وان اقفلت مرحلة كان يحتسب انها ستكون اخطر صنفت الخسائر في لائحة تعدادها فرأت ان تل ابيب فقدت هيبتها، لمجرد أنه لم يعد هناك من بقعة جغرافية حمراء محظورة على رد الحزب، بدليل استهداف العمق الأمني والاستخباري. وفي المقابل فقد اكتشفت نقطة ضعف قوية في موقف “حزب الله”، فبالتزامه الأهداف العسكرية اعترف بطريقة او بأخرى ان عملية اغتيال شكر في عمق الضاحية الجنوبية لم تكن عدوانا كما اعتبرها، وانها عملية امنية لم تخرق فيها اسرائيل قواعد الاشتباك طالما ان هدفها كان قائدا عسكريا وان سقط مدنيون ففي المصادفة، بدليل ان إسرائيل نبهت أصحاب المنازل القريبة من اهدافها البقاعية باخلاء منازلهم تجنبا للضحايا المدنيين كما فعلت في بعض قرى الجنوب