عام 1968، استدارت سيدة عذراء حريصا على حد تعبير بعض أصحاب العواطف الجياشة، إنه الحلف الذهبي المقدس الآتي بعد سنوات من النزاع والخصومة والبرودة.
بيار الجميل رجل العهد الشهابي، وكميل شمعون المطوق من العهد وأركان النهج، وريمون إدة المتعطش إلى استعادة أيام الكتلة الذهبية، اجتمع الزعماء الثلاثة الآتون من مواقع متناقضة فأسقطوا الشهابية والنهج ومعه المكتب الثاني ورجالات الأمن الممسكين بالأرض، في توقيت إقليمي قاتل حيث اجتاح طيف منظمة التحرير العواصم العربية، لتتلقى الصفعة الحديدية من الأمن الأردني في أيلول الأسود من سنة 1970 وتجد في لبنان ملاذاً آمناً بعد تفكك المكتب الثاني تحت ضربات الحلف الثلاثي. ضباط المخابرات فروا إلى دمشق، جهاز أمني مفكك، استغل الفتحاويون هذه الفوضى الأمنية ليقبضوا على الجغرافيا والمؤسسات. إنها الانتكاسة الأولى التي انتهت بحرب أودت بحياة مئات آلاف اللبنانيين وانتهت بهجرة مسيحية كبيرة وخسارة سياسية موصوفة، من دون التنكر لمحاولة الكتائب والأحرار الاستلحاق والدفاع عن الأرض وإسقاط مشروع الوطن البديل.
عام 1992 التقى أمين الجميل وميشال عون وسمير جعجع الآتون من سنين الانتفاضات والخصومة والصراعات الدامية، التقوا على مقاطعة الانتخابات والدولة والمؤسسات. لست هنا في معرض إلصاق تهم ويلات العهود وسقطات التاريخ بقيادات ربما وجدت نفسها خارج التسوية بفعل رهانات لم تكن صائبة من عراق صدام حسين إلى الولايات المتحدة الأميركية، فالغاية هي وصف محطة ثانية تكرست بتحالف الزعامات المتنافسة ومن ثم تفاهمها على مواجهة التسوية الإقليمية، وصولاً إلى انتكاسة ثانية تكللت بخروج المسيحيين من الدولة ووضعهم على هامش الحياة السياسية لولا دخول ميشال المر و سليمان فرنجية وجورج سعادة وايلي حبيقة وغيرهم من المسيحيين لإنقاذ ما أمكن إنقاذه من ظلم التاريخ.
اليوم نستعيد مشاهد مقلقة من خلال محاولات تشكيل حلف ثلاثي ثالث بعد مرحلة مواجهات سياسية شرسة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والمعارضة المسيحية التي تضم شخصيات ربما غير منضوية تحت عباءة زعيم، ولكنها شبه منظمة تجد مع شركائها العونيين والقواتيين أن التسوية المقبلة لن تكون لصالح المسيحيين بفعل قوة حزب الله وتفرده بالجلوس على طاولة النيران والمفاوضات. إنها المعادلة نفسها التي تدعونا للاستعانة بالمحطات والعبر ودروس الماضي. وما أحوجنا إلى قراءة متأنية وهادئة براغماتية وغير ديماغوجية للتوجهات القادمة المرتكزة على موازين قوى باتت أوضح من الشمس. لا، لسنا بصراع مع شركائنا منذ أكثر من 1400 سنة، بل نحن بصراع مع الخوف من أن يعيد التاريخ نفسه للمرة الثالثة وأن يسقط اللبنانيون ومعهم المسيحيون بسبب سوء التقدير والقراءات الخاطئة. ربما كان قدر المسيحيين أن يعيشوا، بعد خلافاتهم، وقبل سقطاتهم، لعنة الأحلاف الثلاثية القاتلة.