المتابع لتطورات الازمة السورية لا يعرف بالضبط إن كان القصد من وراء الجرائم التي تمارسها “جبهة النصرة” هو تفجير الطاقات المكبوتة طوال السنوات الماضية ونشر ثقافة الاصلاح والديمقراطية والتعددية الحزبية ، أم القصد هو تدمير ما بُني من أسس دولة الحداثة في بلاد الامويين واستبدال نظام حاكم باستبداد ظلامي يريد أن يحكم قبضته على الجميع بمقاييس القرون الوسطى وما قبلها، والارتماء في أحضان أوهام من الأيديولوجيات المغرقة في التكفير وسفك الدماء وغيرها من الطقوس الرجعية؟
ما يدفعنا إلى هذا السؤال ليس الوقوف ضد ارهاب “النصرة” وتوابعها فحسب ، وإنما للتدليل ايضا على ما تبع هذه الممارسات التعسفية من اختلافات وصراعات ومفارقات أدت إلى مشهد فوضوي يسود سوريا من القمة إلى القاع، وينذر بتطورات ليست في حسبان أحد إذا لم يتم التعقل والتدبر من قبل ما يسمى ب “المعارضات السورية” التي اصبحت بلاد الشام معها مهددة بالاندثار والغرق في الفتن والحروب الأهلية بسبب النزعات الطائفية والأيديولوجيات المتطرفة، وقد لا يكون مفاجئاً على الإطلاق أن يكون حلم هؤلاء العودة إلى الوصاية الأجنبية وضياع السيادة وكل شيء .
من يتوقف طويلاً محاولاً فهم ما يجري لا يجد الكثير من دواعي السرور، مع التأكيد أن أغلبية من شاركوا وتفاعلوا مع هذه الازمة ما كان في حسبانهم أن تصل الأوضاع في سوريا إلى هذا الضياع المخيف . وربما سيندم الكثيرين من الكتاب والمثقفين والسياسيين ندما كبيرا فمعظم من ساندوا وأيدوا هذا “الربيع العربي ” في سوريا منذ انطلاقته سارعوا إلى إطلاق جميع أحلامهم وطموحاتهم ومكبوتاتهم دفعة واحدة، ولم يستوعبوا دقة المرحلة وتقاطع الخطوط فيها . وفي تلك اللحظة تصادم الكل بالكل على مستوى البلد، ثم تطور الأمر لتصبح سوريا ساحة لصدام دولي عنيف على المصالح والاستراتيجيات والنفوذ، والأيام مازالت حبلى بالأحداث والمفاجآت .
وطالما تعمل الادارة الاميركية ومن ورائها دول غربية وعربية وخليجية في هذا الواقع بالأنانية والتجزئة والقفز فوق مصلحة الشعب السوري فلن يؤدي هذا “الربيع” إلا إلى “صيف حار ”، فهذه سنّة دورة الفصول . وإذا كان الأول قد بدأ بانتحار فرد، فقد يبدأ الثاني بانتحار جماعي، حقيقة ومجازاً .
^