فيما الانظار اللبنانية كانت شاخصة في “مؤتمر بروكسل”، الذي عقد يوم الاثنين الماضي بنسخته الثامنة، حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة، حصل ما كان متوقعاً، اذ تعهّد الاتحاد الأوروبي بدفع أكثر من ملياري يورو لدعم النازحين السوريين في دول المنطقة، ورفض اي عودة محتملة لهم الى ديارهم، لأن ظروف العودة الطوعية والآمنة ليست مهيأة، وهذا ما بدا بوضوح في كلمة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل خلال المؤتمر، حيث قال: ” أنّ التزامنا لا يمكن أن ينتهي بالتعهدات المالية وحدها، ولا بد أن نعيد مضاعفة جهودنا لإيجاد حل سياسي للصراع، يدعم تطلعات الشعب السوري لمستقبل سلمي وديموقراطي”.
هذا الموقف الذي برز بقوة في شهر تموز الماضي، بعد تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على قرار يدعم إبقاء النازحين في لبنان، تخلّله منذ فترة بعض التفهّم الغربي للوضع اللبناني في مسألة النزوح السوري وتداعياته على لبنان منذ العام 2011، لكن ما أظهرته الايام القليلة الماضية، أكد بأنّ “مؤتمر بروكسل” عاد ليحقق المثل الشائع:” ذاب الثلج وبان المرج”، لانه انتهى بجملة واحدة مفادها “على لبنان ان يلتزم بقرار الاتحاد”، وكأنّ الوصاية عليه عادت من جديد لكن من الباب الاوروبي، اي على لبنان ان يأخذ الاموال ويُبقي النازحين السوريين لديه ونقطة على السطر بحسب الموقف الاوروبي، الذي يعمل على إراحة نفسه وإبعاد تبعات النزوح عنه، ووضع لبنان كالعادة في مهب الريح، ليتحمّل نتائج كل ملف او قضية، على الرغم من تقديمه خطة عمل واضحة لتنظيم ملف النازحين، تتضمّن تنسيقاً بين مختلف الوزارات والأجهزة المعنية، بالتزامن مع تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وبعض الوزراء، للتواصل مع دمشق وتسهيل العودة، فضلاً عن إتفاق مع الاردن ومصر والعراق على خطة موحّدة للتواصل مع الحكومة السورية، بحسب ما اشار رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت امس الاول الثلاثاء.
هذا التناقض بين الموقفين اللبناني والاوروبي أطلق العنان للمخاوف، لانّ الصورة القاتمة بقيت واضحة بالتزامن مع نظرة المجتمع الدولي الى مصالحه، لتتوالى المواقف والرسائل الغربية لإبقاء النازحين في لبنان ومساعدتهم مادياً من قبل الجمعيات الدولية، والقصة ليست وليدة اليوم، اذ بدأت الرسائل الدولية تصل تباعاً الى لبنان منذ العام 2016 ، وتوالت السيناريوهات الخفية والخطط لإبقاء النازحين، فيما حكومة تصريف الاعمال كانت تتلهى بالخلافات بين وزرائها، على هوية مَن سيترأس الوفد الوزاري الى سوريا، مما يعني انّ المعالجة ليست جديّة والرشوة تلعب دائماً دورها السياسي في لبنان، لانّ بعض المسؤولين تفتح شهيتهم دائماً امام العملة الصعبة، والمجتمع الاوروبي يعرف ذلك جيداً. لذا فالمهم لديه عدم وصول النازحين الى بحره وبرّه، فيُظهر في العلن بأنّ الهم الابرز لديه مستقبل النازحين وعلى حساب لبنان، لانّ المصالح الخاصة تلعب دورها بإتقان، فيما يلعب الكبار بمصير لبنان، الوطن الذي يدفع الفواتير السياسية دائماً عن غيره.
في موازاة ذلك، دق لبنان ناقوس الخطر خلال كلمة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب في بروكسل، بعد إشارته الى انّ وصلنا الى نقطة اللاعودة في ملف النزوح، ورأى بأنّ إستمرار تمويل النازحين حيث يتواجدون يشكّل خطراً على جيران سوريا، داعياً الى مراجعة سياسات الدول المانحة، وشدّد على أن الإنفجار اللبناني إن حصل سيكون له تداعيات على الدول المجاورة ومن بينها أوروبا.
في غضون ذلك ووفق المعلومات، فالموقف اللبناني سيكون حاسماً هذه المرة، اذ سيشدّد على ضرورة تلاقي المجتمع الدولي مع الخطوات العملية التي باشرتها الحكومة والأجهزة الأمنية، على ان يقوم المسؤولون اللبنانيون بعقد لقاءات مع مسؤولين اوروبيين، بهدف الموافقة على مطالب لبنان ومقرّرات مجلس الوزراء بشأن ملف النزوح التي إتخذت قبل أكثر من سنة، الى جانب التوصيات التي صدرت قبل فترة وجيزة عن مجلس النواب، مع عنوان بارز بأنّ” لبنان بلد عبور لا بلد لجوء”، وعلى وجوب تقديم المساعدات المالية للعائدين الى سوريا وليس الى الموجودين في لبنان، مع الرفض المطلق لربط العودة بالحل السياسي للأزمة السورية، وحثّ الولايات المتحدة على رفع العقوبات المفروضة على سوريا من خلال إلغاء “قانون قيصر”.
وسط هذه المعضلة المتشابكة، لا تخلو الساحة من مخاوف السيناريو الاوروبي الجاهز، لذا لا يعوّل الكثيرون آمالاً على تبدّل الموقف الأوروبي، والمطلوب وفق اكثرية الافرقاء السياسيين المعارضين لإبقاء النازحين في لبنان، ضرورة التدخل العربي عبر مساعي الاردن ومصر والعراق بمساعدة لبنان في هذا الاطار، والدخول بقوة على الخط السوري للحل النهائي لهذه الازمة، وإلا يصبح لبنان في قلب هذه المعضلة ولن يستطيع بعدها الخروج منها، وفق ما يرى مراقبون مطلعون على الملف المذكور، ويؤكدون بأنّ المجتمع الغربي إعتاد على المواقف التي يتخذها بعض اركان السلطة اللبنانية، اي القبول بالمال مقابل حل القضايا العالقة، حتى ولو كانت على حساب البلد واهله.
المصدر:”الديار – صونيا رزق”
**