أعادت زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان موضعة الملف الرئاسي في موقعه الطبيعي، خارج مدار السيناريوهات المتفائلة التي جرى ضخّها في الأيام الاخيرة، وأوهمت اللبنانيين بانفراج رئاسي وشيك.
الخلاصة التي انتهت إليها زيارة لودريان قبل ان يُنهي لقاءاته مع الأطراف، هي التأكيد المتكرّر على المعبر الإلزامي لانتخاب رئيس للجمهورية، المتمثل بجلوس اطراف النزاع الرئاسي على طاولة التشاور في ما بينهم للتوافق على مرشّح او مرشحين، يمهّد لانعقاد مجلس النواب في جلسات انتخابية بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس. وهو الأمر الذي اكّدت عليه اللجنة الخماسية في بيانها الاخير، وقبلها أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري سلسلة دعوات للاجتماع في جلسات حوار او تشاور او اي مرادف آخر لهما، للانتقال بالملف الرئاسي إلى برّ الانتخاب.
تقييم
في التقييم العام لزيارة لودريان، وفق ما استخلصته «الجمهورية» من اجواء اللقاءات التي عقدها، تتبدّى الملاحظات الآتية:
أولاً، العنوان العريض لهذه الزيارة، في هذا التوقيت، هو حث الاطراف على التعجيل في سلوك مسار التوافق على انتخاب رئيس.
ثانياً، في معرض حديثه، اكّد لودريان على ما مفاده انّ التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه أن ينجّي لبنان، ويقيه خطر السقوط في واقع مأساوي. مع الإشارة هنا إلى انّ لودريان هو صاحب التشبيه الشهير للوضع اللبناني، حينما اعتبر انّ وضع لبنان أشبه بالتايتانيك التي تغرق.
ثالثاً، كان لافتاً إخراجه كلمة «حوار» من التداول، على اعتبارها قد تستفز بعض الاطراف، واستبدالها بـ»التشاور».
رابعاً، كان لافتاً ايضاً، انّ الموفد الفرنسي، الذي سبق لزياراته السابقة الى بيروت، أن حملت الطابع الاستطلاعي، بدا في محادثاته ومن خلال الاسئلة التي طرحها، متموضعاً في دائرة الاستطلاع لمواقف الاطراف من الملف الرئاسي بصورة عامة، و«التشاور» بصورة خاصة، وما اذا كانت ثمة افكار جديدة من شأنها أن تشكّل عاملاً مساعداً للجهود التي تُبذل لتحقيق هدف التشاور في القريب العاجل.
خامساً، قال لودريان انّ التشاور حاجة ملحّة للبنانيين، وكان ملحّاً في تأكيده على ضرورة تجاوب الاطراف مع الدعوة الى إجراء مشاورات تمهيدية لانتخاب رئيس الجمهورية، ولكن من دون ان يطرح، ما يمكن أن تُسمّى «مبادرة»، بل أدرج الجهود التي يبذلها لحسم الملف الرئاسي، من ضمن جهود اللجنة الخماسية، التي انتهت في الاجتماع الاخير لسفرائها، إلى رسم خريطة طريق الحل الرئاسي عبر ما سمّتها «مشاورات ضرورية»، محدودة النطاق والمدة، بين الكتل السياسية، لإنهاء الجمود السياسي الحالي.
سادساً، عبّر الموفد الفرنسي في محادثاته بشكل جلّي عمّا اكّد عليه سفراء دول اللجنة الخماسية في بيانهم الأخير، لجهة ضرورة التعجيل في انتخاب رئيس يوحّد البلد ويشكّل تحالفاً واسعاً وشاملاً في سبيل استعادة الاستقرار السياسي، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. وكذلك لجهة اعتبار انّ انتخاب رئيس للجمهورية هو أمر ضروري لضمان وجود لبنان بفعالية في موقعه على طاولة المناقشات الإقليمية، وكذلك لإبرام اتفاق ديبلوماسي مستقبلي بشأن حدود لبنان الجنوبية».
سابعاً، لم يوح في حديثه، أقلّه مع الرئيس بري وكذلك مع رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وقبل ذلك مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، بتبنّي أي من المرشحين، كما لم يقدّم اي مفاضلة بين الخيارات الرئاسية، لا بالنسبة الى ما يُسمّى «خياراً اولاً»، او خياراً ثانياً او ثالثاً، على اعتبار انّ هذا الأمر تقّرره الاطراف على طاولة المشاورات.
يُشار في هذا السياق الى أنّ اخباراً اعلامية راجت بعد ظهر امس، عن انّ لودريان اكّد لزواره في مقر السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر «انّ الحل الرئاسي هو على قاعدة «المرشح الثالث»، وانّه قال انّ على مرشحي جلسة 14 حزيران الانسحاب توفيراً للوقت وتجنّباً لإحراج الكتل واللجنة الخماسية». الّا انّ مصادر جهات سياسية التقت لودريان امس، ابلغت الى «الجمهورية» قولها: «ان مثل هذا الكلام المروّج، يحاول تصوير انّ لودريان اعتمد لكل لقاءاته خطاباً معيناً، ولكن إن كان هذا الكلام صحيحاً، فهذا يعني انّ الموفد الفرنسي يخرب على نفسه وينسف مهمّته من أساسها».
ثامناً، وكما لا جديد نوعياً في طروحات لودريان، يمكن ان يشكّل اختلافاً عن طروحاته في زياراته السابقة، او يمكن اعتباره اكثر نوعية من بيان سفراء الخماسية، فلا جديد ايضاً في مواقف أيّ من الأطراف التي التقاها، حيث عادت هذه الاطراف الى التأكيد على مواقفها، وبمعنى أدق على مسلّماتها، سواء بالنظرة الى الحوار او التشاور، او بالنسبة الى تمسّكها بمرشحين معينين. او بالنسبة الى مرشحين يعتبرون انّ حقهم الطبيعي أن يرشحوا انفسهم لانتخابات رئاسة الجمهورية. ومعلوم في هذا السياق موقف رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، الذي يؤكّد مضيه في المعركة الرئاسية، وكذلك موقف الاطراف الداعمة لترشيحه وتأكيدها المضي بهذا الدعم.
تاسعاً، بعض المصادر اكّدت انّ الموفد الفرنسي اثار في محادثاته الملف الجنوبي من زاوية التأكيد على الموقف الفرنسي الذي يرى اولوية قصوى في بلوغ حل سياسي يؤمّن إعادة الامن والاستقرار الى المنطقة الجنوبية. مبدياً في الوقت خشيته من انّ استمرار التصعيد من شأنه أن يتدرج صعوداً الى مواجهات اخطر واكبر، ومؤكّداً في الوقت ذاته انّ في وقف المواجهات وعدم تدرّجها الى حرب مصلحة للبنان.
**