موضوع الوجود السوري في لبنان ليس نزوحا، هذا الوجود يطلق على تسميته “التدفق الجماعي لللاجئين” او “حركة الوافدين الكبرى” اعتبارا من اوائل نيسان ٢٠١١ وبدء الاحداث في سوريا. واستنادا الى “اعلان نيويورك الخاص باللاجئين والمهاجرين” و “الميثاق العالمي بشأن اللاجئين” الصادرين عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 19 ايلول 2016 و17 ايلول 2018، التي من ابرز بنودهما “التزام المجتمع الدولي بتقديم الدعم القوي للدول المتاثرة بهذه التحركات الكبيرة وتخفيف الضغوط على البلدان المضيفة وتوسيع نطاق الحلول المتعلقة بإعادة التوطين في البلدان الثالثة ودعم الظروف في بلاد المنشأ التي خرج منها هؤلاء للعودة اليها”. هذا التدفق الكبير الى لبنان بحاجة الى حلول عالمية بالتنسيق مع الحلول الداخلية لكل دولة. هذا الكم من الذين دخلوا من السوريين، لا يمكن للدولة اللبنانية بمفردها ان تعالجه، وفي مطالعة قانونية للنائب اشرف بيضون جاء فيها “ان لبنان يعاني وباعتراف كل الهيئات من حركة وافدين كبيرة تفاقم مشكلة النزوح السوري على لبنان وقد اصطلح على تسميتها “بالتدفق الجماعي للاجئين او حركة النزوح الكبرى” التي هي ظواهر عالمية تستدعي اتباع نهج عالمي وتحتاج الى حلول عالمية، ولا يمكن لدولة واحدة ان تعالج حركات النزوح الكبيرة بمفردها، وتؤثر تلك الحركات تاثيرا جائرا في الدول المجاورة او بلدان العبور، فهي تحمّل قدرات تلك البلدان في حالات عديدة فوق طاقتها بكثير، مما يفقدها تماسكها الاجتماعي والاقتصادي وتنميتها، ما يلزم زيادة التعاون الدولي لمساعدة البلدان والمجتمعات المستضيفة”.
تخبط رسمي
ويضيف المصدر المتابع لملف النزوح بالقول: التخبط الرسمي في الملف جاء نتيجة التخبط السياسي في البلد، خصوصا انه في تلك المرحلة كان هناك اطراف لبنانية داخل الحكم وخارجه منقسمة بين 8 و14 اذار، على تناقض في كيفية مقاربة هذا الملف التي نتجت عنه ازمة كبيرة اصبحت تهدد البلاد اذا لم تتم معالجته، وهذا ما ادى الى عدم اتخاذ قرار رسمي موحد قضى بمعالجة الملف كما حصل في الدول المجاورة وتحديدا في تركيا والاردن .
يتابع المصدر، القرار الرسمي في حينه صدر شفهيا عن رئيس الحكومة انذاك تم بموجبه تكليف مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين وبالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ملف النزوح السوري، فأخذت المفوضية على عاتقها تسجيل كل السوريين في لبنان الذين كانوا موجودين في لبنان وادعوا انهم هربوا من سوريا، او الذين دخلوا بشكل شرعي عبر المعابر الرسمية، او الذين الذين عبروا عن طريق الخلسة باعتماد مسالك التهريب والطرق غير الشرعية .
يتابع المصدر، ترافق هذا الملف مع تهديدات من قبل منظمات تكفيرية وارهابية على الحدود الشرقية للبنان من الجانب السوري. كما شهد الداخل اللبناني عمليات تفجيرية ارهابية استهدفت مراكز الجيش والاجهزة الامنية واستباحة مراكز للجيش وقوى الامن الداخلي، وقتل وخطف عسكريين من قبل هذه المنظمات. في موازاة ذلك، حصل فراغ سياسي في الدولة، وتخبط امتد لاكثر من سنة، بالاضافة الى خضات كبيرة في ملف النزوح حتى عام ٢٠١٥ .
المفوضية تسلمت ملف النزوح
يضيف المصدر، في هذه المرحلة ادار ملف النزوح السوري مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين وجمعيات مدنية ومنظمات دولية غير حكومية استفادوا من هذا الوضع ماديا وعلى المستويات الشخصية في ظل غياب القرار الرسمي. في المقابل، كان الملف يتنامى ويتضخم بشكل كبير وبطريقة غير نظامية اقل ما يقال فيها انه انتج فوضى عارمة ومطلقة، بحيث انعكست سلبياته على مجمل الوضع اللبناني البيئي والصحي والاقتصادي والامني والتربوي والديمغرافي، وترافق ايضا مع تمويل دولي مباشر لهذه الجمعيات خارج اطار الدولة ومؤسساتها ولا حتى التنسيق معها او ابلاغها عن مشروعاتها التي تم تنفيذها مع البلديات وجمعيات محلية، وترافق ذلك مع دعوات لدمج السوريين في المجتمع اللبناني فبدأ تنفيذ المخطط على كافة المستويات خصوصا التربوية والمعيشية والصحية حتى وصل الامر الى ربط اي مساعدة دولية لتنفيذ برامج اقتصادية وانمائية وتربوية وصحية وبيئية باستفادة السوريين، بمعنى ان لا مساعدات او دعم مالي لاي مشاريع في مجتمع مضيف اذا لم يكن يوجد فيه نسبة من السوريين، واصبح هناك اقتصاد سوري مواز للاقتصاد اللبناني، وتعليم سوري مواز للتعليم اللبناني، وهذه المعادلة يمكن تعميمها على كل القطاعات.
يتابع المصدر عينه، بلغ عدد السوريين الذين تم تسجيلهم حسب ما اعلنته مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى اواخر ٢٠١٥ حسب سجلات المفوضية، بحدود 780 الف سوري مسجل. لكن المفوضية استمرت بتقديم مساعدات لسوريين غير هؤلاء، قامت بتدوين اسماء جديدة من دون موافقة الدولة حتى العام 2019 بحيث بلغ عدد المدونين من العام 2015 حتى العام 2019 بحدود 702000 سوري. فعليا، يكون لدى المفوضية لائحتان. الاولى اسماء مسجلين بتغطية من الدولة عددهم 780 الفا، ولائحة ثانية تم تدوين الاسماء فيها من دون موافقة الدولة وعددهم 700 والفان. بمعنى ان مجموع عدد السوريين في “الداتا” التي سلمتها المفوضية الى الامن العام اللبناني في اوائل العام ٢٠٢٤، بعد مطالبات حثيثة من قبل رئيس الحكومة ووزير الداخلية ومدير عام الامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري، مليون واربعمائة واثنان وثمانين نازحا حسب البيانات الرسمية في هذا الشأن.
يعني ذلك، حسب المصدر، انه في حال تم التفاوض مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بشان طلبات اللجوء في بلد ثالث استنادا الى المذكرة الموقعة بين الدولة والمفوضية عام ٢٠٠٣، تكون هذه الطلبات محصورة بالاسماء الموجودة في سجلات المفوضية حتى ٢٠١٥. لكن المفوضية لم تقم بتدوين المعلومات التي تساعد في فرز الاسماء لمساعدة المديرية من تسهيل عملها ومعرفة كل التفاصيل المتعلقة بتاريخ الدخول الى لبنان وتاريخ تقديم طلبات التسجيل لدى المفوضية وتاريخ قبول الطلبات، بحيث تتمكن من فرز الاسماء ومساعدة الدولة عند وضع خطط الحلول لهذه الازمة. من هنا كان موقف اللواء البيسري في هذا الشأن واضحا جدا خلال الاجتماعات مع مسؤولي المفوضية في لبنان حيث اصر عليم بتزويد الامن العام بهذه المعلومات ضمن فترة محددة والا ستتخذ المديرية اجراءات تتمكن بوسائلها وقراراتها الحصول على هذه المعلومات ولو اخذت بعض الوقت، لان الامن العام لن يتراجع عن اعادة هذا الملف الى كنف الدولة وايجاد الحلول له بالتعاون مع المفوضية التي تتحمل مسؤولية مباشرة بضرورة التعاون ومشاركة الدولة اللبنانية ومؤسساتها في ايجاد الحلول الايلة لإقفال هذا الملف.
بالتزامن مع صدور اول قرار رسمي عن الدولة اللبنانية في العام ٢٠١٥، طلبت فيه من مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين وقف التسجيل، اتخذت المديرية العامة للامن العام اجراءات وتدابير استنادا الى اقتراحات حلول قدمتها الى الحكومة في حينه، تقضي بضبط هذا الوجود وتنظيمه وقوننته، كما فتحت الابواب امام السوريين لتسوية اوضاع اقامتهم في مراكز الامن العام وعلى المعابر الحدودية لمن يرغب بالعودة الى دياره طوعا وبشكل آمن، والزمت كل سوري يريد العمل في لبنان بان يكون لديه شخص يتعهد ويكون مسؤولا عنه، سيما ان حوادث كثيرة حصلت لم تتمكن الاجهزة الامنية من معرفة اسماء المتهمين السوريين، او اين يعملون لملاحقتهم وتوقيفهم؟ وحصلت جرائم تمكن فاعلوها من الهروب او الاختباء في اماكن لا يمكن للدولة من دخولها مثل المخيمات او في الجرود على الحدوداللبنانية السورية المشتركة.
دور الجمعيات والمنظمات الدولية
ويتابع المصدر، هذه الاجراءات المتخذة استنادا الى صلاحيات الامن العام لم تكن نتائجها كما كان متوقعا، لأنه غي كل مرة تتخذ اجراءات لإعادة السوريين الى بلادهم استنادا الى مبدأ العودة الطوعية والامنة، كانت المنظمات الدولية وجممعيات ngo’s تقوم بحملات اعلامية تضليلية لثني هؤلاء من العودة، عدا عن ان المنظمات الدولية الانسانية كانت تتوالى على اصدار البيانات ضد الامن العام في حال طلب من اي سوري التقدم الى مراكزها للتحقيق معه في جرائم جنائية او مخالفات ادارية استنادا الى الصلاحيات المنوطة بالامن العام كونها ضابظة عدلية وتجري التحقيقات في دعاوى جنائية بناء لقانون العقوبات، بالاضافة الى مواجهة الاجراءات بحملات وضغوط على الامن العام لاسباب سياسية داخلية، ومصالح دولية تريد ان يبقى السوري في لبنان بمنأى عن اي مساءلة او اتجاه لتنظيم وجوده استنادا الى القوانين المرعية، حتى انه في بعض الاحيان كانت تصدر عن المحاكم احكام معطوفة على قرارات ترحيل، كانت المنظمات الدولية، ومن دون اي تحرك من الاحزاب والقوى السياسية اللبنانية، تطلب من الامن العام عدم ترحيلهم الى سوريا بحجج مختلفة، ولم تصدر في حينه من معظم القوى السياسية مواقف تدعم اجراءات الامن العام لجهة تنظيم رحلات العودة الى سوريا، بعنوان العودة الطوعية والامنة بحيث كان يتم التنسيق مع مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين ومع الجانب السوري من اجل تنظيم عودة هؤلاء الى سوريا، وبالفعل حصلت عشرات الرحلات، لكنها لم تحقق النتيجة المتوخاة بسبب وجود قرار دولي تنفذه المفوضية بعدم تسهيل العودة. كما قامت مؤسسات دولية في الخارج بتمويل مؤسسات ومنظمات داخلية في لبنان للقيام بحملات اعلامية غير مضللة تشير الى ان العائدين الى سوريا طوعا وبشكل امن يتعرضون للمضايقات وعمليات التوقيف، حتى وصل ببعضهم الامر الى تسجيل اشرطة فيديوهات وتوزيعها على السوريين الموجودين في لبنان بواسطة الواتساب لحضهم على عدم التقدم من مراكز الامن العام بطلب العودة الى سوريا، مع العلم انه لم تدون او تسجل اي حادثة مع الذين دخلوا الى سوريا بموجب هذه العودة .
90% من البلديات لم ينفذوا الاجراءات
ويتابع المصدر، مع بداية الحراك الشعبي في ١٧ تشرين الاول، وما تلاه من جائحة كورونا في الـ٢٠٢٠، توقفت رحلات العودة واستؤنفت مؤخرا باعداد قليلة، لكن مع عودة الامور السياسية والصحية الى طبيعتها عاد الملف الى الواجهة نظرا لخطورته من جهة وتراجع الاهتمام الدولي ونسبة الدعم المالي بسبب الحرب في اوكرانيا والان في غزة، ومن جملة الامور التي نفذها الامن العام بعد 2016، التعاون مع البلديات لإحصاء السوريين المتواجدين في نطاق عملهم ومسؤولياتهم استنادا الى استمارة وزعها الامن العام عليهم، لكن تبين لاحقا ان معظم البلديات لم تتعاون بالرغم من المناشدات الكثيرة التي قام بها مع القائمقامين ورؤساء البلديات ، ووصل الامر بوزير الداخلية القاضي بسام مولوي الى ان اصدر في 2 ايار ٢٠٢٣ سلسلة مذكرات تم تعميمها على المحافظين، طلب فيها ان يقوم القائمقامون والبلديات باجراء احصاءات للسوريين في بلداتهم، كما ارسل تعاميم الى وزارة العدل في الاطار عينه، وعلمت “الديار” ان٩٠ % من البلديات لم تنفذ المذكرات حتى الان.
جريمة قتل باسكال سليمان
في هذا الوقت، عاد ملف النزوح السوري وانفجر بقوة بعد مقتل باسكال سليمان بالرغم من ان الحادث المؤسف حصل مثله حوادت كثيرة في كل المناطق منذ دخول السوريين وحتى اليوم ولم يتحرك احدا كما حصل الان. هذه الجريمة كان لها وقع كبير لدى الراي العام وصدرت مواقف منددة، خصوصا ان افراد العصابة وحسب التحقيقات الامنية بغالبيتهم من السوريين، ويشكلون عصابة سرقة وخطف مقابل فدية مالية يعاونهم بعض اللبنانيين من اصحاب السوابق وعليهم مذكرات توقيف .
هذه الحادثة اشعلت العواطف واستنكرتها كل القيادات، وحصلت مطالبات من خلال حملات اعلامية واضحة تدعو الى ضرورة ايجاد حل لهذه الازمة التي تحولت الى قنابل قد تنفجر في اكثر من منطقة على مساحة الوطن .
بعد حادثة باسكال سليمان ومواقف القوات اللبنانية التصعيدية، خصوصا تجاه الامن العام، حاول البعض ان يفسر موقفها بأنه يخفي وراءه اهداف سياسية لها علاقة بالرئاسة الاولى، فسألت الديار شخصية لها صلة بالقوات اللبنانية، فأجابت ان الحقيقة غير ذلك، واكبر دليل ان الاجتماعات التي قامت بها وفود نيابية قواتية على قيادات سياسية ودينية وامنية جرت خلالها مناقشة ملف النزوح السوري باسهاب تحت عنوان المصلحة الوطنية العليا، وتمت فيها مطالبة القادة العسكريين والامنيين تنفيذ ما يتوجب عليهم من اجراءات ميدانية خصوصا على مستوى الامن الداخلي وضبط الحدود البرية بين لبنان وسوريا لمنع الانتقال خلسة بين البلدين وملاحقة المهربين وعصابات الاجرام والقتل والسرقة.
زيارات الموفدين الاوروبيين
ويختم المصدر عينه، الملف مطروح الان بقوة نتيجة مخاطره الكبرى على لبنان وقبرص والدول الاوروبية مع حملات الهجرة غير الشرعية ومراكب الموت وشهد لبنان منذ اسبوع زيارات هامة لرئيس المفوضية الاوروبية والرئيس القبرصي وتم الاعلان عن مساعدة بمليار يورو للبنان للمساعدة في التخفيف من اعباء النزوح والدفع باتجاه مكافحة الهجرة غير الشرعية من لبنان الى دول الاتحاد، تدفع على مراحل لمدة 4 سنوات، بمعدل 250 مليون يورو كل سنة، مع تفهم اوروبي للاوضاع اللبنانية من مختلف جوانبها دون حلول عملية نتيجة تمسك المفوضية برفض تمويل العودة الى سوريا، رغم اعلان ميقاتي انه اتصل برئيس الحكومة السورية وابلغه موافقة دمشق استقبال النازحين ولا مشاكل تعترض العودة. وفي موازاة ذلك، كان ميقاتي قد استقبل رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان وابلغه عن وقف المساعدات لحوالى 88 الف عائلة سورية وخفض حجم المساعدات الصحية والتربوية بسبب الازمات العالمية مما يهدد بتفاقم المخاطر على البلد برمته دون حلول جدية في الافق اذا لم تحزم الحكومة امرها خصوصا ان ميقاتي اعلن عن خطوات تنفيذية وترحيل كل شخص لا يلتزم بنظام الاقامة في لبنان؟ علما ان عدد السوريين تجاوز المليونين في بداية العام 2024.
المصدر:”الديار – رضوان الذيب”
**