صحيح أنّ «حزب الله» يعطي الأولوية القصوى في هذه المرحلة للمواجهة مع العدو الاسرائيلي، من جبهة الجنوب الى قطاع غزة، ولكن ذلك لا يعني انّه يغفل عن بقية الملفات، خصوصاً انّه معروف بتوزع الاختصاصات والادوار فيه بشكل دقيق، بحيث يستطيع التوفيق بين متطلبات المعركة مع الاحتلال وبين مقتضيات مواكبة المسائل الأخرى.
ضمن هذا السياق، يتابع الحزب من كثب تطورات ملف النازحين السوريين الذي يتولاه النائب السابق نوار الساحلي تحت إشراف القيادة، المدركة جيداً مخاطر هذا التحدّي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والأمنية.
وستدلي كتلة «الوفاء للمقاومة» بدلوها خلال الجلسة النيابية العامة المقرّرة غداً الأربعاء والمخصّصة للبحث في خيارات التعامل مع تهديد النزوح والمليار يورو الأوروبي الذي ترك تداعيات سلبية على الساحة الداخلية، بعدما ارتاب كثيرون في دوافعه واستهدافاته.
وقد استبق الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الجلسة بالدعوة إلى اتخاذ قرار وطني بفتح البحر أمام النازحين السوريين الذين يريدون الهجرة إلى أوروبا، لافتاً الى انّ هذا القرار يتطلب شجاعة وقدرة على مواجهة الضغوط الاميركية والأوروبية التي ستحصل.
كذلك اقترح السيد نصرالله ان يشكّل المجلس النيابي وفداً للذهاب الى الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تمنعان عودة النازحين، مؤكّداً في الوقت نفسه أن لا مناص من التواصل مع الحكومة السورية، ومشدّداً على وجوب مساعدة سوريا لتأمين متطلبات عودة النازحين عبر المطالبة بإلغاء «قانون قيصر» والعقوبات الاوروبية في حقها.
وانطلاقاً من إحاطته الشاملة بقضية النزوح وتعريفه لطبيعة المشكلة والحل، لم يكن الحزب مرتاحاً الى قرار منح لبنان مليار يورو على امتداد اربع سنوات، انطلاقاً من عدم اقتناعه بجدواه ولا بجدّيته، بل انّه يعتبر انّ هذا المبلغ هو نوع من التشاطر على اللبنانيين، لأنّ حسبة بسيطة تُبين انّ أعباء استضافة النازحين منذ عام 2011 قاربت الـ 42 مليار دولار، سدّدت منها الدول المانحة نحو 12 ملياراً، فيما تحمّلت الدولة اللبنانية وزر ما تبقّى، اي نحو 30 مليار دولار موزعة على مختلف مجالات البنى التحتية والخدمات التي استفاد منها السوريون، وبالتالي فإنّ المليار الأوروبي لا يقدّم ولا يؤخّر في خضم هذه الفاتورة الباهظة.
وهناك في الحزب من وصف المليار الاوروبي بـ»حبة بونبون» لا تلبث ان تذوب، فيما كان الأجدر والأجدى إنفاق هذا المال وأكثر منه في داخل سوريا لتسهيل عودة النازحين والتحفيز عليها، علماً انّ نصف ما يُدفع لهؤلاء في لبنان، يكفي لتأمين احتياجاتهم في وطنهم لو سُدّد لهم هناك.
وليس خافياً على الحزب انّ سياسة تثبيت وجود النازحين في لبنان هو انعكاس لقرار سياسي غربي بمنع عودتهم الى بلادهم، للإبقاء عليهم ورقة مفترضة في النزاع مع الرئيس بشار الأسد، علماً انّ تقديرات الحزب تفيد أنّ غالبية النازحين الموجودين على الأراضي اللبنانية هم مؤيّدون للأسد.
وإزاء الموقف الغربي السلبي الذي تصيب «شظاياه» لبنان وسوريا معاً، يدفع الحزب في اتجاه التوصل الى اتفاق لبناني ـ سوري حول نمط مقاربة قضية النازحين بغية الضغط على الغرب، مع ما يتطلّبه ذلك من حصول تواصل مباشر على أعلى مستوى ممكن مع دمشق، حتى لو استدعى ذلك أن يزورها الرئيس نجيب ميقاتي ويلتقي الرئيس السوري.
وعلى مستوى التدابير داخلياً، يعتبر الحزب انّه يجب التشدّد في تطبيق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء لضبط الوجود السوري وتنظيمه، بحيث يتمّ فرز النازح الحقيقي عن منتحل الصفة، من خلال الحزم في تطبيق الضوابط القانونية المرتبطة بالإقامة وإجازات العمل وما شابه.
وضمن إطار السعي الى تفعيل الضغوط على الدول الأوروبية لدفعها الى مراجعة سلوكها حيال ملف النازحين والتراجع عن قرار منعهم من العودة، أتت مطالبة السيد نصرالله بتسهيل مسألة هجرتهم بواسطة السفن العابرة للبحار والخطوط الحمر، فهل ستلاقيه القوى الداخلية من رسمية وحزبية؟ ام انّ البعض يتهيّب هذا الخيار خوفاً من كلفته على مصالحه؟
المصدر:”الجمهورية – عماد مرمل”
**