أبرز ما حملته زيارة رئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليدس، ورئيسة المفوضية الاوروبية ارسولا فون دير لاين خلال محادثاتهما في بيروت أمس، هو إعلان ديرلاين قرار اوروبا «بإعادة توطين النازحين السوريين في الاتحاد الأوروبي وإبقاء المَسارات القانونية مفتوحة إلى أوروبا، وأنّ الاتحاد الأوروبي سيقدِّم حزمة مساعدات مالية للبنان بقيمة مليار يورو للفترة الممتدة من السنة الجارية وحتى عام 2027»، وربطت هذا القرار بضرورة تحقيق استقرار لبنان الامني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
لا شك انّ هناك تطوراً ما طرأ على الموقف الاوروبي من قضية النزوح السوري لا يمكن تصنيفه بالإيجابي مئة بالمئة، لأنه ما زال يحمل ألغاماً بين طيّاته لعل ابرزها انّ قرار إعادة التوطين لا يشمل اعداداً كبيرة من النازحين بل الرافضين للعودة الى سوريا لأسباب امنية وسياسية او اقتصادية – معيشية. وهؤلاء نسبتهم بين عدد النازحين المقيمين في لبنان بصورة شرعية او غير شرعية لا تتجاوز بضع آلاف من اصل نحو مليوني نازح. هذا اضافة الى انّ الكلام عن دفع «مساعدة لبنان بقيمة مليار يورو خلال 4 سنوات لدعم تعزيز الخدمات الأساسية، مثل التعليم والحماية الاجتماعية والصحة والقوى العسكرية والامنية والاصلاحات الادارية»، يعني انّ القرار السياسي الاوروبي، وضمناً الاميركي، بإبقاء الغالبية الساحقة من النازحين في لبنان ما زال قائماً فعلياً.
كل هذه الوقائع تجعل من العودة الجماعية أمراً صعب التحقيق، وتعني انّ على لبنان تَحمّل المزيد من الاعباء والمعاناة الاقتصادية والامنية والمعيشية. كما انّ آلية إعادة توطين النازحين في اوروبا ودَفع المليار يورو الموعودة غير واضحة، على رغم تحديد القطاعات التي سيتم دعمها. لكن متى تُصرف وكيف ستُصرف؟ ولِمَنْ؟ هل للسلطات اللبنانية المعنية بوضع النازحين، أم للنازحين مباشرة، أم للمنظمات الدولية العاملة في لبنان، أم للجمعيات الاهلية مجهولة الارتباطات والتوجهات والاهداف وطرق الإنفاق وتوزيع المساعدات؟
وثمّة امر اساسي يتحكّم بمعالجة موضوع اعادة النازحين مرتبط بعلاقة الغرب والعرب بسوريا، فمن دون التواصل المباشر مع السلطات السورية لا يمكن مناقشة التفاصيل والآليات المتعلقة بحل هذه الأزمة، خصوصاً ان لبنان الرسمي لا زال متردداً في فتح خطوط التواصل المباشر المكثّف والعملي مع سوريا للتوافق على آليات المعالجة، وكأنّ بعض الجهات الحكومية ما زالت تخشى عودة التواصل الخجول أصلاً والمُقتصر على زيارات متباعدة، سواء للوفود الوزارية الرسمية او لبعض الوزراء منفردين، وهي لم تحقق اي تقدّم على الارض، برغم الكلام الرسمي الصادر من بيروت ودمشق عن استعداد السلطات السورية لاستقبال من يرغب من النازحين الراغبين بالعودة وتحضير مراكز الايواء المؤقّت لهم، وتقديم التسهيلات والحوافز القانونية حول الخدمة العسكرية والملفات الامنية.
لكن بقي العامل الاقتصادي والمعيشي هو الدافع الاساسي لعدم الرغبة بالعودة. ويبدو انّ غالبية النازحين يرون في لبنان مصدراً لجمع المال والحصول على المساعدات الغذائية والطبية والتعليمية وسواها، وإرسال ما تيسّر من اموال الى سوريا، بينما ما زال بعضهم «يحلم بالبقاء فيه وربما بالتجنيس لاحقاً»، خاصة مع تكاثر الولادات السورية في لبنان وتسجيل الكثير منها رسمياً في دوائر مفوضية اللاجئين الدولية او لدى بعض الدوائر اللبنانية الرسمية المعنية!
لهذا، لم تعد تكفي التعهدات الغربية، ولا سيما الاوروبية منها، بالدعم المالي غير المضمون، ولم يعد ممكناً حل أزمة النزوح والهجرة غير الشرعية الى اوروبا من دون معالجة جوهر المشكلة وسببها الاساسي وهو ضرورة رفع الحصار والعقوبات عن سوريا، وبدء مفاوضات جدية معها تؤدي الى حلول جذرية لا ترقيعية وتُريح كل الاطراف. فملف النازحين والمهاجرين بات يُشكل مخاطر على كل الدول لا على لبنان وسوريا فقط.
ولعل كلام الرئيس نبيه بري، خلال لقائه الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية امس، بأنه «على الأطراف المعنية بملف النزوح السوري التواصل مع الحكومة السورية لأنّ حضورها أصبح طاغياً على معظم الأراضي السورية»، يكون المدخل الرسمي اللبناني المُتاح للدول الاوروبية لمعالجة ما يؤرقها من موضوع النزوح والهجرة.
المصدر:”الجمهورية – غاصب المختار”
**