في شباط الماضي اتّخذ مجلس الوزراء قراراً يقضي بوضع تصوّر لسلسلة رتب ورواتب جديدة للعاملين في القطاع العام. وعلى إثرها، أحيل هذا القرار من رئاسة الحكومة إلى رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي لتنفيذه بالتعاون مع شركة «سيغما». فُهم القرار خطأ، ففيما اعتقد العاملون في القطاع العام أن الحكومة ستطرح سلسلة رتب ورواتب جديدة للنقاش من أجل تصحيح الرواتب والأجور بما يتناسب مع فئاتهم الوظيفية الحالية ومؤشرات التضخّم ودمج كل المساعدات والبدلات في أصل الراتب، تبيّن بحسب مشموشي أن الأمر مختلف تماماً، إذ إن القرار أشار إلى «وضع تصوّر» بدلاً من «إعداد سلسلة». تقول مشموشي لـ«الأخبار»، إنها بموجب تطبيق حرفي لقرار مجلس الوزراء، ستعمل على «تثبيت الواقع الذي طرأ على الرواتب»، أما إعداد سلسلة رتب ورواتب جديدة فهو أمر «غير ممكن قبل التوصيف الوظيفي للإدارة العامة في لبنان». وتثبيت الواقع هو المرحلة الأولى لوضع التصوّر المطلوب، تليه المرحلة الثانية لتعديل بنية تركيب سلسلة الرتب والرواتب بما يتلاءم مع التوصيف الوظيفي الجديد الذي سيعدّه مجلس الخدمة.بهذا المعنى، تشير مشموشي إلى أنها ستعمل على «تثبيت للواقع انطلاقاً من آذار 2024 عند إقرار مرسوم الزيادات الأخير 13020 أولاً، ثم اقتراح زيادة موضوعية في الرواتب ثانياً، وتقدير النفقات في السنوات المقبلة بناءً على دراسات تتعلق بأكلاف المعيشة والانتقال والاستشفاء والتعليم، بالإضافة إلى تطوّر الناتج المحلي والتضخّم، على أن تترافق مع بعض الخطوات الإصلاحية التي من شأنها تخفيف الأعباء المالية عن الخزينة». وتلفت إلى أن واقع الرواتب اليوم، تسوده الفوضى التي تربك المالية ومجلس الخدمة والإدارات العامة، إذ يتقاضى الموظف بجداول منفصلة أساس راتبه وكل زيادة أُقرّت خلال السنوات الماضية من تقديمات إضافية ومساعدات.
وبالتوازي تعمد مشموشي إلى إنجاز «توصيف وظيفي جديد تُحدّد فيه المهام والصلاحيات للوظائف في الدولة، وهذا هو التصوّر المثالي للسلسلة التي تؤدّي إلى رفع الإنتاجية». وتشرح مشموشي فكرتها القائمة على خطة تعاون مع الاتحاد الأوروبي والإدارة العامة الفرنسية، إذ تسعى لوضع كتيّبين يحتويان وصفاً وظيفياً لكلّ وظائف القطاع العام، مشيرةً إلى «وجود محاولات خلال ولاية الرئيسة السابقة للمجلس فاطمة الصايغ أفضت فعلاً إلى تحديد توصيف 30 وظيفة مشتركة بين الوزارات مثل الوظائف القانونية، المحاسبية، المعلوماتية، المالية، وبعض الوظائف الإدارية المساندة مثل محرّر ومدخل معلومات».
وتتضمّن خطّة مشموشي تحديثاً للإدارة العامة يهدف إلى «تشريح الوظائف إلى فئات، والفئات إلى مهام، والمهام إلى تنفيذية وقيادية». فعلى سبيل المثال لا يعمل كل موظفي الفئة الثالثة في نفس الظروف، إذ إن «منهم في إدارة الطيران المدني، وآخرون في مرفأ بيروت»، ما يعني «مخاطر عمل مختلفة وطبيعة عمل متفاوتة». لذا، ترى ضرورة إعادة تركيبة بنية السلسلة على الأسس التالية: «يوضع جدول واحد لكل وظائف الفئة الثالثة، على أساسه يقبض الموظفون أساس راتب واحد، ويضاف إليه تعويض معيّن يتقاضاه من يقوم بالمهام الإضافية، مثلاً ساعات الليل في المطار مخصّصة لمن يعمل ليلاً حصراً، ولا يتقاضاه كلّ من يعمل في المطار». وفي حال انتقل الموظف من وظيفة إلى أخرى «تنتفي أسباب حصوله على التعويضات الإضافية للوظيفة السابقة»، أما في حال وجود تعويضات للوظيفة الجديدة «فسيحصل عليها»، وعدا ذلك يحصل على أساس الراتب فقط. وعند إنهاء الخدمات، وخروج الموظف من الخدمة إلى التقاعد، يتقاضى معاشه التقاعدي من دون المخصّصات كونها مرتبطة بالوظيفة، وهذا العدل».
توافق مشموشي على وجود ظلم لاحق بالموظفين، لأيّ سلكٍ انتموا، وتقول إنّه «رغم كلّ الزيادات المالية التي حصل عليها، فهم لا يتقاضون الحدّ الأدنى لتأمين العيش الكريم، والمُقدّر بـ50 مليوناً من دون احتساب كلفتَي التعليم والاستشفاء». فهي تقف ضدّ الزيادات التي أعطيت بطريقة مقطوعة ما يترك التفاوتات بين الموظفين. وهي سبق أن اقترحت «مضاعفة الرواتب 8 مرّات بالإضافة إلى الرواتب السبعة، ليصبح مجموع ما يتقاضاه الموظفون بمختلف فئاتهم وضمنهم الأجهزة الأمنية، 15 راتباً. بالإضافة إلى زيادة بدل النقل إلى 9 ملايين ليرة شهرياً». واقترحت إعطاء المتقاعدين 85% من قيمة الراتب الذي يحصل عليه من هم في الخدمة.
كان الهدف من هذا الاقتراح الذي لم تأخذ به الحكومة «رفع الكلفة عن الموظف كي يتمكن من القدوم إلى عمله، فهو يدفع أكثر من بدل النقل المُقدّر بـ450 ألف ليرة يومياً للوصول إلى مركز العمل، وعليه أدفع له كلفة الوصول، وأشغّله». ورغم أن هذه الفكرة قابلة للنقاش باعتبار أن بدل النقل هو مصدر للدخل يجب أن يكون ضمن الراتب، إلا أن مشموشي تنسجم مع ما قامت به السلطة السياسية في إقرار بدل المثابرة مع فرق واحد وهو إصرارها على أن يصدر بقرار منفصل عن مرسوم الزيادات ليكون «بمثابة مكافأة للمجدّين من الموظفين بحق وليس حقاً مكتسباً للموظف سواء عمل أو لم يعمل، وإلا كيف نميّز الموظف الجيّد من غيره، خاصةً أنّ مرسوم الزيادات الأخير شمل كلّ الإداريين بمضاعفة الراتب. إزاء ذلك، وضع المجلس معايير علمية لاستحقاق البدل منها الحضور من الثامنة وحتى الثالثة والنصف لا الثانية بحسب بعض المطالبات، و16 يوماً شهرياً مع تبرير أيام الغياب في حال حصوله، وأخذ رئيس الحكومة في تعميمه بجزء كبير من التوصيات».
وفي هذا الإطار تلفت مشموشي إلى «مضاعفة تقديمات التعاونية الخاضعة لوصاية مجلس الخدمة، ورفع التغطية الصحية من طبابة واستشفاء ومنح تعليمية، بهدف التخفيف من الأعباء على الموظف، وفي المقابل طلبنا منه تأدية واجباته على أكمل وجه والإنتاج». إذاً، الزيادات على الرواتب لا يمكن أن تتم إلّا إذا ترافقت مع زيادة في الإيرادات وإنتاجية الدولة، ولكن «من غير المنطقي أن تُصرف كلّ إيرادات الدولة على الرواتب والأجور، بل يجب إعادة إدخال الصرف الاستثماري والتشغيلي والصرف على البنى التحتية». تضيف: «صحيح أن الإيرادات تزيد ولكنّها من الضرائب حصراً، فيما نحاول في الدراسة الآن التأكيد على وضع تصوّر لإعادة النفقات الاستثمارية إلى أفضل ما كانت عليه، والوصول لاحقاً إلى إيرادات من الاستثمار للتخفيف عن كاهل المواطنين». تسيير الإدارة لا يقف فقط عند تأمين راتب الموظف، بل عند تأمين بيئة عمل جيّدة من خلال تأمين اللوجستيات الأساسية لحسن سير العمل.
المصدر:”الاخبار – فؤاد بزي”
**