رسم حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري خلال لقاء ضمّ مصرفيين وممثلي قطاع خاص في مصرف لبنان، نظمه LEADERS CLUB يوم الخميس الماضي، الملامح الأولى لرؤيته للخروج من الازمة المالية والنقدية والمصرفية والحلقة المفرغة «التي نتخبط فيها منذ نحو 5 سنوات». لم تكتمل هذه الرؤية بعد، كما قال لـ»نداء الوطن»، وتحتاج الى مزيد من الانضاج في التفاصيل. لكنها واضحة لجهة أنها تعتمد على أربعة أعمدة يجب تركيزها سوياً لبناء هيكل الخروج من الازمة، بعدما تمّ توحيد سعر الصرف. أول هذه الأعمدة المحاسبة عبر القضاء اللبناني، وثانيها رد أموال المودعين وتنظيم علاقتهم مع المصارف لأنه شرط أساسي للحفاظ على القطاع المصرفي وهو بدوره شرط اساسي للحفاظ على الاقتصاد اللبناني وبنائه، وثالثها اعادة اطلاق عمل القطاع المصرفي علماً أن الاطار القانوني غير موجود ليسمح بذلك حالياً، أما العمود الرابع فهو اعادة بناء الدولة واصلاحها».
سأل منصوري: «ما الذي يمنعنا من القيام بالاصلاحات وتطبيق الحكومة الالكترونية؟ والمسؤولية لا تقع فقط على من تسبب بالازمة بل من أدارها بعد 2019، ولا بد من اعادة النظر بطريقة أدائنا. واذا لم نقم بهذه الخطوات الاربع بشكل متواز، كل حسب اختصاصه، فنحن أمام خطر وجودي ولا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة»، مشدّداً على أنه «بغض النظر عمن سيتحمل المسؤولية الاكبر لرد هذه الودائع الدولة أم المصارف، الأهم هو وضع خطة واضحة للخروج من الأزمة وكيف يمكن توزيع المسؤوليات لاحقاً»، جازماً بأنه «لن يشارك في لعبة شراء الوقت. إذ وصلنا الى مرحلة ضرورة حل أمورنا. وإذا لم نقم بما يلزم من الآن وحتى عام أو عام ونصف كأقصى حد، فالخسارات التي سندفعها ستكون ضخمة جداً ولا يمكن الرجوع الى الخلف، ولن نتمكن بعدها من الوقوف على قدمينا. اليوم هو وقت مقبول للحل، لكن السلطة السياسية الحالية لن تستطيع اتخاذ اي قرار فعلي وواقعي لمواجهة الناس بخسائر تتجاوز 70 مليار دولار والحل الوحيد هو تأجيل المشكلة».
بداية القصة
بعد كلمة ترحيبية لرئيس LEADERS CLUB رمزي الحافظ، قدّم منصوري عرضاً للتحديات التي واجهت المركزي منذ 8 أشهر تاريخ تسلمه مهامه كحاكم بالانابة، والتي بدأت «باتخاذه القرار بوقف تمويل الدولة من احتياطات المصرف المركزي بالعملات الاجنبية»، مشدداً على أن «تمويل الدولة لم يتوقف فقط بالعملات الاجنبية بل أن المركزي توقف أيضاً عن شراء سندات خزينة، لذلك على الحكومة اللبنانية وضع موازنات عقلانية لتأمين احتياجاتها، وأن لا تلجأ الى مصرف لبنان لأن ذلك خارج كل منطق. صحيح أن هذه السياسة استمرت لمدة 30 عاماً، لكن من غير المنطقي ان تقترض الدولة من المركزي وأن لا تعرف من أين تأتي أمواله وأرباحه».
شدد منصوري أيضاً على أن «أهم مفاعيل وقف التمويل ليس فقط فصل السياسة المالية عن النقدية، وإرساء استقلالية المصرف المركزي عن الدولة، مما يعني حماية أمواله من أي حجوزات يمكن أن تتعرض لها، بل الأهم اعادة المركزي الى عمله الاساسي أي أنه سلطة نقدية وليس من مهامه رسم السياسات المالية للدولة، بل يمكن أن يتماهى مع هذه السياسات التي ترسمها الحكومة والبرلمان ويؤمن الاستدامة لهذه السياسات». معطياً مثلاً على هذا «التماهي من خلال الاستقرار النقدي. فالهدف الرئيس للسلطة النقدية في ما يتعلق بعملها بالدولة هو الحفاظ على الاستقرار النقدي، ليس هناك آليات خارجة عن المألوف يجب أن تعتمد، فإما عبر رفع أسعار الفائدة وسحب الكتلة النقدية من السوق أو ضخ عملات اجنبية لسحب الكتلة النقدية بالليرة من السوق، او التوافق مع الدولة التي تسحب الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية من خلال الضرائب».
الكتلة النقدية
أضاف: «الخيار الاول غير موجود في لبنان، فسلاح الفائدة لضبط الكتلة النقدية او الحصول على استقرار نقدي أمر غير وارد حالياً، وضخ الدولار غير ممكن أيضاً وهذا الامر إتّخذ في 31 تموز من العام الماضي، وهذا تحد ليس بسيطاً بالنسبة للمصرف المركزي. والحل الافضل لضبط ضخ الكتلة النقدية يومياً بما يحافظ على الاستقرار العام، كان بالتعاون مع المصارف والحكومة ووزارة المالية وكل الوزارات الاخرى المعنية بسحب كتلة نقدية من السوق»، لافتاً الى أن «ما تم تحصيله من قبل الدولة من عائدات اعتباراً من شهر آب الماضي وحتى نهاية العام (وبعد رفع سعر الصرف)، مقارنة مع التحصيل الذي كان موجوداً في السابق، هو أن ما حصلته الدولة في الثلث الاخير من العام الماضي يوازي ثلثي ما حصلته طوال العام 2023. بالارقام في بدايات تموز كانت الكتلة النقدية 82 تريليون ليرة ثم تقلصت الى 52 تريليوناً حاليا».
وأوضح أن «سحب الكتلة النقدية من السوق يعني سحب الذريعة من يد المضاربين للمضاربة، ولكن في المقابل هناك السؤال الكبير حول تأثير هذا الامر على الاقتصاد اللبناني، وهنا التوازن الجديد ما بين الجزء المدولر من الاقتصاد والجزء الذي لا يزال بالليرة اللبنانية. وما يهم التجار هو استقرار سعر الصرف والتوازن بينهما، والكتلة النقدية بالليرة اللبنانية توازي اليوم تقريباً 600 مليون دولار(بين 53 و58 تريليون ليرة) وهذا يعني تقليص مصاريف الدولة اللبنانية وفقاً لهذا الرقم».
ميزانية الدولة
ذكّر منصوري أنه «ما قبل العام 2019 كانت الموازنة 17 مليار دولار، في حين أن المصاريف كانت 21 مليار دولار في العام 2018. والكتلة النقدية بالليرة اللبنانية مقابل الـ17 مليار دولار كانت 3.5 مليارات دولار. وإذا طبقنا القاعدة الثلاثية على الموازنة والكتلة النقدية بالليرة اللبنانية اليوم تكون النتيجة 600 مليون دولار، إذ انخفضت من 17 مليار دولار الى 3.2 مليارات، أي يمكن للدولة صرف 260 مليون دولار شهرياً وهذه هي امكانياتها»، مشدداً على أنه «لا عودة لأن يقوم مصرف لبنان برسم سياسات مالية واقتصادية للدولة، بل على الدولة تكبير اقتصادها ورسم سياساتها المالية بمعزل عنه، ولن يكون هناك صرف من خارج الموازنة المحددة بـ3.2 مليارات دولار».
أضاف: «يمكن زيادة الاعتمادات عن طريق مجلس النواب، واذا القانون لا يسمح للدولة بالصرف من حساب معين من أموالها لن يتم هذا الصرف وهذا ما ننفذه اليوم، والعنوان الاساسي الذي بدأناه منذ 1 آب الماضي هو فصل السياسة النقدية عن رسم السياسة الاقتصادية، لأنها ليست من صلاحيات المصرف المركزي»، موضحاً أن «الدولة هي التي حددت ميزانيتها بـ3.2 مليارات دولار في 2024، والسياسة النقدية التي تحافظ على الاستقرار النقدي ليست سبب أي جمود في البلد. بالتأكيد هذه الموازنة في الظروف التي نعيشها غير جيدة وغير ايجابية، ولا بد من الخروج من هذه الحالة وتكبير اقتصادنا، بعدما كان 55 ملياراً وانخفض الى 20 مليار دولار».
الإستقرار النقدي
وأكد منصوري أن «المصرف المركزي منذ آب 2023 توقف عن شراء الدولار بالسوق، ولا ينافس القطاع الخاص على أي دولار موجود في السوق كي ينمو بامكانياته، لكن المركزي يبيع الليرة على سعر 89500 كي يستقر سعر الدولار في سعر الصرف، مما أدى الى فائض في ميزان المدفوعات، وهذا ما يساهم في تكبير الاقتصاد شيئاً فشيئاً»، مشيراً الى أنه «يمكن القول أن هناك فائضاً في ميزان المدفوعات، بالرغم من أن أكثر من 46 بالمئة من اقتصاد اليوم هو اقتصاد كاش. المركزي لا ينافس القطاع الخاص في شراء الدولار، لكن احتياطياته زادت بمليار دولار خلال الفترة الماضية، فهذا يعني ان الفائض القليل الذي يتمكن من ادخاله هو من فائض في ميزان المدفوعات».
وجزم أن «مصرف لبنان قدم للقطاع الخاص الاستقرار النقدي الذي سيؤدي الى استقرار اجتماعي، لكن نمو القطاع الخاص مرتبط بنمو القدرة الشرائية للمواطنين (موظفو القطاعين العام والخاص)، وهؤلاء اذا لم ترتفع قدرتهم الشرائية من خلال تحسين العجلة الاقتصادية وزيادة الاستثمارات، سنبقى عند المستويات الاقتصادية التي نراها اليوم. ولذلك لا بد من تأمين بيئة مقبولة لتطوير الاقتصاد».
كيفية الخروج من الأزمة
سأل منصوري: «ما هو الاجراء الفعلي الذي قامت به الحكومات والبرلمانات التي تعاقبت على الحكم منذ بداية الازمة؟ لا شيء. في المقابل كانت هناك اجراءات للمركزي من خلال التعاميم التي أصدرها (158 و166). أهمية هذين التعميمين هي البدء بإعادة الاموال الى المودعين الذين ينتظرون منذ سنوات (بما في ذلك الودائع غير المؤهلة)»، جازماً أنه «لا بد من البدء بمشوار رد أموال الناس بصورة واضحة، ولهذا السبب فان أهم ما تم انجازه حتى اليوم هو توحيد سعر الصرف 89500 ليرة، وميزانيات المصارف والمصرف المركزي وموازنة الدولة صارت على هذا الرقم، ونحن نعرف التحديات لهذا التطور. لكن أصبح لدينا أسس يمكن ان نقف عليها للقول أننا نريد تنمية الاقتصاد. كما أن المركزي عزّز امكانياته الداخلية بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي لناحية الحوكمة وآليات المحاسبة الداخلية والعلاقة مع الدولة اللبنانية».
الودائع
وأكد أن «المشكلة الاساسية هي أن هناك ودائع بقيمة 88 مليار دولار، بالاضافة الى ودائع بالليرة اللبنانية، في المقابل لدى المصارف ايداعات لدى مصرف لبنان بأرقام قريبة، والدولة اقترضت هذه الاموال وصرفتها. وبغض النظر من سيتحمل المسؤولية الاكبر لهذه الودائع الدولة ام المصارف، الاهم هو وضع خطة واضحة نرى فيها الآلية المناسبة للخروج من الأزمة، وكيف يمكن توزيع المسؤوليات لاحقاً».
أضاف: «هناك أربع نقاط اساسية يجب السير بتنفيذها سوياً، وحتى الآن لا نتجرأ على مقاربتها كما يجب. فالى جانب توحيد سعر الصرف، العمود الاول هو المحاسبة. لا بد من محاسبة المسؤولين عن كل الفترة الماضية التي أدت الى الازمة وهذا أمر ممكن، والجهة المخولة لتنفيذ ذلك هو القضاء لذلك يجب تعزيزه»، جازماً بأن «مصرف لبنان لا يملك أي آلية قانونية للمحاسبة (خارج اطار الهيئة المصرفية العليا وهيئة التحقيق الخاصة التابعة للقضاء). كما أن هناك سرية مصرفية تقف في وجهنا أيضاً، وأي محاولة ثانية للمحاسبة هي عملياً رغبة بعدم المحاسبة».
وشدد على أن «العمود االثاني هو رد أموال المودعين وتنظيم علاقتهم مع المصارف. فحجم الازمة كبير جداً والسؤال الكبير المطروح هو أن حجم الناتج المحلي انخفض من 55 مليار دولار الى20 ملياراً، والموازنة من 17 الى 3.2 مليارات، ولدينا ازمة امنية في الجنوب تؤثر على الحركة الاقصادية ولدينا فراغ في رئاسة الجمهورية، وفي ظل كل هذه الظروف هناك من يريد ايجاد حل لكل اموال المودعين». لافتاً الى أن «رئيس الحكومة قدم خطة لإعادة هيكلة المصارف واعطاه اياها وعكسها على الارقام. لكن هذا المشروع لا يمكن تطبيقه في الوقت الحاضر لسبب بسيط، هو أن الارقام الناتجة عن هذه الخطة تفتقر الى الوضوح»، جازماً أننا «لا نتكلم مع المودعين بوضوح حول أن رد اموالهم هو مسار، لأنها موجودة لدى المصارف وإذا لم نستطع الحفاظ على هذه الاخيرة، تتبخر ليس فقط اموال المودعين بل ايضاً الاقتصاد، لأنه لا يمكن بناء اي اقتصاد من دون قطاع مصرفي سليم، وليس الحل باخراج كل المصارف الموجودة من السوق والترخيص لأخرى جديدة». وسأل: «ما هي الضمانات بأن تكون الاستثمارات الجديدة بحجم الاستثمار الذي كان موجوداً الذي يتجاوز 200 مليار دولار؟».
الكابيتال كونترول
وأكد أن «إعادة الودائع هو شرط أساسي للحفاظ على القطاع المصرفي، وهو بدوره شرط اساسي للحفاظ على الاقتصاد اللبناني وبنائه. وعلينا معالجة الودائع بنفس المنهجية التي اتبعناها عند توحيد سعر الصرف، إذ صار لدينا القدرة على القول للمودع بأن هناك إمكانية لرد وديعته، ولكن ليس في الوقت الحالي ووفق 89500 ليرة، بل هناك امكانية رد جزء من هذه الاموال عبر ما يعرف بالكابيتال كونترول وهذا يحتاج الى قانون، أو السحب على سعر صرف مختلف»، مشدداً على أن «مصرف لبنان غير معني بإعادة تثبيت سعر الصرف للسحوبات. وحين يوضع سعر صرف جديد لسحب الودائع فهذا يعني عملياً هيركات عليها وهذا يحتاج الى قانون. وهنا يأتي دور مجلس النواب في اصدار القرارات، والسلطة السياسية الحالية لن تستطيع اتخاذ اي قرار فعلي وواقعي، لمواجهة الناس بخسائر تتجاوز 70 مليار دولار والحل الوحيد هو تأجيل المشكلة».
أمام هذا الواقع دعا منصوري الى «تبسيط المشكلة، فالودائع بقيمة 88 مليار دولار بين مؤهلة وغير مؤهلة، علماً ان جميعها سيُرد ضمن آليات ستوضع ضمن الخطط ولن يتم شطب الودائع غير المؤهلة. وهناك خطوات يمكن القيام بها منها على سبيل المثال ان هناك اجماعاً على الغاء الفوائد الفاحشة. علينا اتخاذ قرار، هل سنقوم بخصم الفوائد الكبيرة المدفوعة ام لا، والتي تقدر بـ9 مليارات دولار ويمكن للمصرف المركزي اعداد دراسة حول هذه الخطة ضمن اطار ووقت زمني مقبول، اما اذا لم يكن هناك ارادة لتنفيذ ذلك فلنتوقف عن التداول به».
مشروعة وغير مشروعة
أضاف: «في حال كان هناك مودعون يريدون التنازل عن وديعتهم فليبرهنوا عن ذلك، خصوصاً أن هناك أصواتاً نسمعها بأنهم على استعداد للتبرع بودائعهم مقابل الخروج من الازمة. وهناك تجار الشيكات والمستفيدون من صيرفة الذين جنوا ثروات خلال الازمة، هل من المنطقي ان يحصلوا على وديعتهم بنفس الدرجة التي يجب ان يحصل عليها مودع جمع امواله من تعويضات عمله مثلاً؟ القانون واضح: من حقق أرباحاً عليه دفع ضرائب عليها، فكل من استفاد من صيرفة والفوائد العالية… هناك مسار خاص لاحتساب رد الودائع، واذا كانت هناك نية بذلك فليتم وضع الاطار القانوني المناسب لذلك وإلا لا امكانية للتقدم»، جازماً بأنه «بالنسبة للودائع المشروعة وغير المشروعة يمكن حسمها من خلال تطبيق القانون، وهذا أمر سائد في كل بلدان العالم، ولا يجوز ان تكون مثار جدل في لبنان. من يثق بأن وديعته عليه تقديم اثباتات على شرعيتها، أما الموظف الذي يتقاضى 2000 دولار ولديه 2 مليون دولار في المصرف، فلن يحصل على وديعته من دون تبرير ومكانه السجن اذا لم يستطع التبرير».
وأوضح أن «رفع السرية المصرفية عن الحسابات مسألة اختيارية وفقاً للقوانين الدولية، ليس واقعياً فتح ملفات مليون و260 ألف مودع، ولكن من يريد استعادة وديعته يمكنه كشف السرية المصرفية عن حساباته بشكل ارادي، وهذه شروط موجودة ويجب الالتزام بها في القطاع المصرفي»، مشدداً على أنه ايضاً «لا بد من الاخذ بعين الاعتبار الاثر الاجتماعي للوديعة وتصنيفها على هذا الاساس. هناك مودعون أقرب الى مستثمرين كونهم وضعوا أموالهم في المصارف طمعاً بالفوائد العالية، والتعاطي معهم كمستثمرين أسهل اذ يمكن الحديث معهم حول آليات مالية لرد أموالهم، وهناك مودعون صغار لا يمكن ادخالهم في هذه التعقيدات ولا يسمح عمرهم ووضعهم المالي والاجتماعي بذلك».
إعادة إطلاق المصارف
وأشار الى أن «العمود الثالث للخروج من الازمة هو اعادة اطلاق عمل القطاع المصرفي وهذا أمر ممكن لكن لا يوجد الاطار القانوني ليسمح بذلك. أي لا ضمانات قانونية اذا حصل اقراض بالدولار ان يلتزم المقترض بتسديد قرضه بالدولار»، لافتاً الى أن «هناك من يعتقد أنه في حال قمنا بهذه الخطوة فكأننا نميز الدولار الحالي عن دولار المودعين السابق، وهذا غير صحيح. فمع توحيد سعر الصرف لم يعد هناك ما يمنع من اعادة اطلاق القطاع المصرفي، والارباح التي يحققها ستكون للمودع. يجب اعادة التسليف في البلد لانه مهم للاقتصاد»، وعن العمود الرابع للخروج من الازمة قال انه اعادة بناء الدولة واصلاحها. فما الذي يمنعنا من القيام باصلاحات واطلاق الحكومة الالكترونية فالتمويل موجود. والمسؤولية لا تقع فقط على من تسبب بالازمة بل على من ادارها بعد 2019، ولا بد من اعادة النظر بطريقة ادائنا. واذا لم نقم بهذه الخطوات الاربع بشكل متواز، فنحن أمام خطر وجودي ولا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة».
أضاف: «أنا اتكلم مع الجميع حول ضرورة الجلوس إلى الطاولة لإيجاد حل، لكني لست الجهة التي يجب ان تدعو اليها ولا يمكنني الزامهم بأي قرار. هناك قوى سياسية يجب ان تقتنع انه يجب فصل الشق النقدي عن الامور الاخرى. علماً أنهم بالمفرق مقتنعين وداعمين. لكن لا يمكننا ترجمة هذه الموافقة الى افعال، ولأني لا استطيع ترجمتها لن أتخذ اي حلول ترقيعية».
شدد منصوري أيضاً على أن «المحاسبة أمر ضروري. هناك بعض المصارف والمديرين فيها اخطأوا لدرجة أنه لا بد من محاسبتهم. وملفات الهيئة المصرفية العليا ستسير كما يجب. دور مصرف لبنان تمّ بالكامل وكل المستندات التي كانت يجب ان تسلّم الى القضاء اصبحت بيده. وملفات الدعم التي صدر بصددها القانون 240 /2021، أرسلناها كنواب حاكم للوزراء المعنيين بتطبيقها ولم يتخذوا اي اجراء. وذكّرنا بها في 31 تموز 2023 ثم بلغناهم بكتب ولم يباشروا. ومنذ 20 يوماً ارسلت UPS عليها كل ملفات الدعم الى رئيس الحكومة، والامانة العامة لمجلس الوزراء والنواب ووزراء المالية والعدل والجمارك لاجراء المطابقات، على أمل أن يبدأ تطبيق هذا القانون والاموال التي سنستردها ستكون للمودعين».
الصندوق والخزانة
أكد منصوري أن «كل حسابات الدولة اصبحت مقسمة بين دولار فريش ودولار (محلي) وليرات (محلية) وليرات نقدية. وقد تحقق التوازن المطلوب لمصاريف الدولة وتأمين الرواتب والاجور، وليس هناك اي خطر في الوقت الحاضر على الاستقرار النقدي، وعلاقات مصرف لبنان مع الخارج انتظمت بشكل جيد. وصندوق النقد لديه شقان في مهامه منها ما يتعلق بالمساعدات التقنية وبرنامج صندوق النقد. والمركزي يستفيد من المساعدات التقنية. وتأتينا نصائح عديدة، منها ما هو منطقي ونقبله ومنها قابلة للنقاش وبالتالي العلاقة جيدة ومن دون املاءات».
أضاف: «بعد زيارة وفد الخزانة الاميركية والزيارة التي قمت بها الى لندن، استطيع القول ان وضع مصرف لبنان والقطاع المصرفي جيد ولا مشاكل لدينا مع المصارف المراسلة، والملاحظات الدائمة هي على الـCash، يجب الخروج منه لأنه سيؤذينا ويؤثر علينا على المدى الطويل، ولن يتحقق ذلك الا اذا أدخلناه في القطاع المصرفي، وهذا كان مدار نقاش ايضاً مع وفد الخزانة الاميركية لمساعدة القطاع المصرفي على الوقوف مجدداً، ومع المجتمع الدولي ككل».
أوضح وسيم منصوري أن «آليات تطبيق التعميم 166 تتطلب وقتاً في المرحلة الاولى، لأن هناك رفعاً للسرية المصرفية عن حجم معين من الحسابات، وهناك مركزية مخاطر في مصرف لبنان وهذا الاجراء يجب تعميمه على كل المصارف. ومن حيث المبدأ، آخر شهر آذار سيكون موعداً لانطلاق تطبيق التعميم، والدفع سيكون بمفعول رجعي. بحسب لجنة الرقابة على المصارف هناك مصارف لا تستقبل طلبات وهذا أمر غير مقبول ونتابعه معها لاتخاذ الاجراءات اللازمة، لكن أغلب المصارف والمصارف الاساسية بدأت بالاجراءات لتطبيقه».
وأشار الى أن «التعميم 158 يسير تطبيقه بالشكل المعتاد. أما فوق هذين التعميمين لا جواب لدى مصرف لبنان. لأن هذه التعاميم تنظم علاقته مع المصارف في الدفع، لكن من حق المودع ان يأخذ كل أمواله، وفي الوقت الحالي لا يمكنه ذلك. والاكيد انه يمكنه رفع دعوى على المصرف، والحل اما بالكابيتال كونترول او السحب على 15000 ليرة اي تنفيذ الهيركات، وفي الحالتين نحتاج الى قانون من مجلس النواب ولا عودة للحلول المؤقتة»، مشدداً على أن «هناك اصلاحات جذرية يجب ان تنفذ، فإما ان تصدر القوانين التي نتحدث عنها ونعيد انتظام علاقة المودع مع المصارف ونبين له بوضوح ما هي حقوقه وواجباته. فليتم وضع كابيتال كونترول مع نظرة واضحة او ان الامور ستبقى على حالها».
أضاف: «مجلس الوزراء يتوجه لوضع رقم للسحوبات وسيحتاج الى قانون يصدر عن مجلس النواب. لن اشارك في لعبة شراء الوقت، وصلنا الى مرحلة ضرورة حل امورنا، واذا لم نقم بما يلزم من الآن وحتى عام او عام ونصف كأقصى حد، فالخسارات التي سندفعها ستكون ضخمة جداً، ولا يمكن الرجوع الى الخلف، اي ان الخسارات التي سنتكبدها ستخسرنا قطاعات اساسية في هذا البلد ولن نتمكن بعدها من الوقوف على قدمينا، اليوم هو وقت مقبول للحل».
أكد وسيم منصوري أن «المصرف المركزي يعيد بناء ذاته بشكل كامل ويقوم باصلاحات داخلية كبيرة، وأحد هذه الاجراءات هو التشديد في تطبيق شروط الحوكمة كما يجب، ووضع استراتيجية واضحة لتطبيقها من قبل الموظفين. ومن هذه الاجراءات تنظيم محاسبة المصرف المركزي، لذلك اصدرنا منذ شهرين الحساب الذي كان يعتبره تقرير «اوليفر وايمن» و»ألفريز اند مارسال» اخفاء لخسائر مصرف لبنان، ووضعنا عمليات السوق المفتوحة وهو تعبير معتمد في المصارف المركزية، وفي هذا التقرير ورد دين الدولة موجود منذ 2007، يسمونه حساب الحصيلة ويبلغ 16.5 مليار دولار».
أضاف: «لجهة علاقة مصرف لبنان بالدولة وبهذا المبلغ، ففي الموازنة التي قدمها مصرف لبنان هناك ديون على الدولة ليس 16 مليار دولار ونصف بل أيضاً سندات خزينة لا تُدفع فوائدها. كحاكم مصرف مركزي هناك شرط أساسي يجب المحافظة عليه، وهو استقلاليته لذلك شكلنا لجنة برئاسة نائب الحاكم الرابع وتضم مدراء من المصرف ومديرين من وزارة المالية، وهدفها هو البحث في كل هذه النقاط العالقة. أي الـ16 مليار دولار وفوائد اليوروبوندز وكيف يجب ان تدفع»، وسأل: «هل يمكن شطب الـ16 ملياراً ونصف التي تراكمت منذ 2007؟ لا شيء اسمه شطب بل ان المفروض نقلها الى تصنيف الارباح والخسائر. واذا قررت شطب هذا المبلغ، فلبنان مدين بسندات يوروبوندز بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار منها 15 ملياراً لجهات اجنبية، وقريباً ستبدأ تلك الجهات بالمطالبة بأموالها. وكحاكم ومصرف مركزي يملك ذهباً بـ20 مليار دولار و9 مليارات و600 مليون، فاذا شطبت 16 ملياراً ونصف للدولة دون قيد أو شرط ومع عدم توافر الاسس القانونية المناسبة لشطبها سيؤدي ذلك الى مطالبة الدائنين بالاستيلاء على موجوداتي كما لو ان المصرف المركزي والدولة شخص واحد»، مشدداً على أن «مهمة اللجنة دراسة هذا الموضوع، وبعد الانتهاء من دراستها سيتم عرض النتيجة على محامين وعلى اساسها نأخذ القرار». وختم: «المادة 113 من قانون النقد والتسليف تنص على ان الدولة يجب ان تعيد تلك الاموال للمركزي، خلال السنة المالية أي بسندات خزينة، فمن الجهة التي ستكتتب بالليرة اللبنانية للدولة؟ المصرف المركزي! وهذا يعني ان الدين للدولة اللبنانية عاد مرة أخرى. اما القرار الذي صدر عن مجلس شورى الدولة فهو قرار قضائي، حتى يتحول الى قرار واقعي يمكن تطبيقه، يجب ان يكون للدولة امكانيات لكي تتمكن من الايفاء بديونها وهذا الامر غير ممكن حالياً».
المصدر:”نداء الوطن – باسمة عطوي”
**