تتجّه الأنظار منذ اليوم إلى القمة الفرنسية ـ القطرية المقرّرة نهاية الشهر الجاري بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وما يزيد من أهميتها انّه سيشارك في جانب منها قائدا جيشي البلدين الفرنسي والقطري ومعهما قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، تعويضاً عن تأجيل موعد مؤتمر باريس الخاص بدعمه، والذي لم تكتمل التحضيرات الفرنسية له. وعليه، فما الذي قاد الى ما هو استثنائي إلى هذه الدرجة؟
قبل ساعات قليلة على اجتماع سفراء «الخماسية الدولية» عصر الثلثاء الفائت في مقره في قصر الصنوبر، قصد السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو وزارة الخارجية للقاء وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، لإطلاعه على الهدف من الدعوة التي وجّهها الى سفراء «الخماسية الدولية» من اجل لبنان، والظروف التي أملت إعادة التواصل بينهم، في مرحلة جُمّدت فيها اللقاءات على هذا المستوى، منذ اللقاء الذي جمعهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مطلع الشهر الجاري، وما يمكن ان تقوم به المجموعة في ضوء النتائج التي توصل إليها كل منهم من خلال اتصالاته مع حكومته والحلفاء والأصدقاء للبنان، ولا سيما منها نتائج جولة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان على كل من الدوحة والرياض والقاهرة منذ مغادرته لبنان، ليُبنى على ما يمكن ان يقوم به في ضوئها ومدى استعداد الساحة اللبنانية للتجاوب مع ما هو مطروح ومطلوب، او على الاقل ان يقبلوا بتنفيذ تعهداتهم السابقة لعبورالاستحقاق الدستوري الواجب القيام به وهو انتخاب رئيس جمهورية.
وفي المعلومات، انّ ماغرو وعند البحث في مزيد من التفاصيل حول ما هو مطروح من مخارج للوضع في الجنوب ومصير الاقتراحات التي تحولت مادة نقاش في الأيام القليلة الماضية، وما هو مطروح لحصر التوتر على الحدود الجنوبية ومنع توسع الحرب، بعدما طاولت العمليات العسكرية حدوداً تُنذر بمرحلة صعبة تعزز مخاوف فرنسا واصدقائها من المخاطر المترتبة على فلتان الوضع وخروجه عن السيطرة، بعدما تعدّدت وجوه الحرب لتتناول مناطق في كلا البلدين وليس في لبنان فحسب، بعدما أُعلن عن عمليات استهدفت طبريا وصفد كما في الغازية بعد النبطية ومدن وقرى لبنانية أخرى في العمل المدني، من دون ان تكون هادفة الى ضرب قادة او أهداف عسكرية لبنانية كانت أم فلسطينية.
وفي أثناء النقاش حول ما طُرح فرنسياً، وعند بلوغ البحث في كيفية مساعدة الجيش اللبناني على تعزيز قواه وتوفير القدرات التي تؤهّله لتسلّم المهمات الأمنية على الحدود الجنوبية ومنطقة عمل قوات «اليونيفيل» وفق قواعد الاشتباك التي تحدث عنها القرار 1701 منذ تاريخ صدوره، والتي قضت بنشر 15 الف ضابط وجندي لبناني فيها الى جانب «اليونيفيل» التي تجمع ما يزيد على 12 ألف آخرين من «حماة السلام»، عدا عن القوة البحرية التابعة لها المكلّفة ضمان أمن المياه الإقليمية اللبنانية ومنع نقل الأسلحة والممنوعات الى لبنان. وهو أمر لم يوفّره الجيش اللبناني نظراً لمجموعة المهمّات الاستثنائية التي كُلّف بها في الداخل وحجم المناطق العسكرية التي يتولّاها من البقاع الى عمق العاصمة فالجنوب، وهو ما وفّر عذراً شرعياً سمح للمجتمع الدولي ومجموعة دول «اليونيفيل» لإعفاء لبنان من التزاماته السابقة.
وعند الغوص في التفاصيل، ابلغ السفير الفرنسي الى بوحبيب بتأجيل المؤتمر الذي كان مقرّراً نهاية شباط الجاري في العاصمة الفرنسية، بعدما لم تكتمل التحضيرات الجارية مع الدول المانحة، وتلك التي عبّرت عن استعدادها لتقديم العون للجيش اللبناني قبل الوصول الى المؤتمر الثاني الذي تستضيفه روما من بعده بإسبوعين تقريباً، لاستكمال توفير النواقص التي يمكن تأمينها ليكون الجيش جاهزاً للقيام بمهمّته الواسعة المتوقعة قريباً، إن اكتملت التسوية لملف الحدود وتوفير القرار السياسي الإقليمي والدولي الذي يضمن له القيام بمثل هذا الدور الكبير، توطئةً بما يطمح إليه جميع اصدقاء لبنان لتأمين سلام دائم وشامل وفّره القرار 1701 منذ صدوره في 12 آب 2006 وحتى السابع من تشرين الأول الماضي، على الرغم من بعض الخروقات المحدودة.
وخصوصاً إن قيست بما جرّت إليه عملية «طوفان الأقصى» وانخراط «حزب الله» فيها من جانب واحد، في مواجهة عملية «السيوف الحديدية» ونصرة المقاومة الفلسطينية بهدف إلهاء الجيش الإسرائيلي عن القطاع والضفة الغربية، بعيداً من اي قرار او توجّه لبناني حكومي. وقد وجدت الحكومة اللبنانية ومعها اللبنانيون في مأزق خطير وكبير، في مواجهة امر لم يكن لهم فيه اي قرار وربما اي ذنب او مسؤولية ليتحمّلوا ما نشأ من وضع متفجّر لا يحتمله البلد المنهك على اكثر من صعيد ومستوى، وقد اقتيد اليه قسراً.
وعليه، استدرك السفير الفرنسي ليقول انّ تأجيل المؤتمر لم يدفع ماكرون للاستسلام. فهو دعا إلى ما يمكن تسميته «ميني مؤتمر» لدعم الجيش، سيُعقد من ضمن فعاليات القمة القطرية ـ الفرنسية التي ستُعقد إبان زيارة أمير قطر اليها نهاية الشهر الجاري. وانّ الدعوات وجّهت إلى كل من قائد الجيش الفرنسي وقائد الجيش القطري وقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون ليكون حاضراً في «القمة العسكرية الثلاثية» التي ستُعقد على هامش القمة السياسية. وسيحمل عون معه ما يحتاجه الجيش اللبناني من حاجات على مختلف المستويات والقطعات والأسلحة العسكرية من معدات يجري البحث في تأمينها لتوفير ما أمكن من خلال التعاون القطري – الفرنسي كمرحلة اولى، تؤهّل الجميع لدخول المؤتمر الأوسع الذي سيُعقد في روما ويضمّ بقية الدول الصديقة للبنان التي اعتادت دعم الجيش وتسليحه في مناسبات عدة، منذ ان استفحلت الأزمة المالية والنقدية في لبنان قبل سنوات عدة، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية، وبريطانيا، المانيا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا ودول اخرى، عدا عن الخليجية منها التي كانت وستبقى على لائحة الدول المانحة للجيش في اكثر من مستوى مادي وتقني وعسكري إلى الأمني والاستخباري.
وإن كان اللقاء لم يتناول مثل هذه التفاصيل سوى بعناوينها، فقد كشفت مصادر ديبلوماسية مطلعة انّ الاتصالات الفرنسية لم تنجح في جمع المواقف المؤدية الى تأمين ما يحتاجه الجيش مما كان مقدّراً من «مؤتمر باريس»، ليكون مناسبة لتجاوز المصاعب الحالية واستعداده للمهمّات الكبرى التي تنتظره وليتحّمل مسؤولياته كاملة، فإنّ عوائق اخرى حالت دونه، وان ادّت الى تأجيل هذا المؤتمر، ليس متوقعاً ان تهدّد «مؤتمر روما الثاني» المخصّص للغاية عينها. ذلك انّ بعضاً من الملاحظات التي واجهتها الخطوة الفرنسية تعني باريس وحدها. وهي تمكن في علاقاتها مع بقية القوى الدولية، ولا يجب ان تعوق أو ان تطاول المبادرات الاميركية ونظيراتها الشبيهة الهادفة الى الغاية عينها.