تعرّضت دوريات قوات الامم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) منذ عام وحتى الامس، الى العديد من المضايقات وأحياناً الاعتداءات الدموية من شبّان في بعض القرى اللبنانية، بينما سقط لها نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية عدد من الشهداء، ولم تتحرك المنظمة الدولية والدول الراعية لهذه القوات والمشارِكة فيها لِلجم “اسرائيل” والضغط عليها او إدانتها في مجلس الامن، واكتفت ببيانات عامة واعلان «فتح تحقيق للتأكد من مصدر النار» وكأنّ الفاعل مجهول، وهو ما يعتبره اللبنانيون نوعاً من التغطية على ممارسات اسرائيل وارتكاباتها اليومية وخرقها للقرار 1701.
وبرغم اعتبار العديد من القوى السياسية اللبنانية انّ الامم المتحدة «منحازة» للكيان “الاسرائيلي” وبالتالي فقوّاتها في لبنان تتصرف بناء لتوجيهات مرجعيتها السياسية، فإنّ احترام وتقدير لبنان الرسمي والشعبي كبير لدورها، وهناك حرص من القوى السياسية المتواجدة على الارض في مناطق انتشار اليونيفيل على تركها تمارس دورها كاملاً لكن من دون تجاوزات، برغم الثغرات الكبيرة في قرار انتدابها، والذي سمح بتواجدها فقط من الجانب اللبناني للحدود وترك الجانب الفلسطيني المحتل سائباً لممارسات اسرائيل وتعدياتها.
لذلك، فإنّ أزمة اليونيفيل في لبنان ميدانية وسياسية في آن معاً… ميدانية لأنّ انتشارها يشمل الجانب اللبناني فقط ولأنّ انتدابها اقتصَر على متابعة الخروقات التي تحصل من لبنان اكثر من تلك التي تحصل من جانب اسرائيل، مع فارق كبير في الخروقات اللبنانية والخروقات الاسرائيلية كمّاً ونوعاً، حيث انّ الاخيرة فاقت بعشرات الاضعاف الخروقات البسيطة عموماً في لبنان، بينما من اسرائيل فالخروقات قائمة ومستمرة منذ بدء تطبيق القرار 1701 عام 2006.
كما انّ عمل اليونيفيل الميداني الروتيني من دوريات وحواجز ومراقبة، قاصِر عن لجم اعتداءات اسرائيل. والأسوأ انّ عناصرها، عند احتدام التوتر، يختبئون في الملاجىء والتحصينات ويتوقفون عن مراقبة مصدر الخروقات الاسرائيلية، ويكتفون بتسجيل الافادات والابلاغ عنها وإجراء الاتصالات مع طرفي المشكلة الرسميين لوقف التوتر، لكن غالباً من دون اي نتيجة.
امّا في الجانب الانساني والمدني فلليونيفل عدة أيادٍ بيضاء في مساعدة المواطنين الجنوبيين على مستويات عديدة، منها الصحة والمياه والزراعة.
امّا في الجانب السياسي، فإن القرار 1701 أتى لينقذ اسرائيل اكثر مما هو لمساعدة لبنان، بحيث انه بُنيَ على اعتبار انّ اصل المشكلة هو من لبنان بسبب وجود المقاومة فيه، من دون اعتبار انّ اصلها هو في احتلال اسرائيل لمساحات واسعة من الاراضي اللبنانية، هذا عدا عن تلكؤ الامم المتحدة في معالجة مشكلة خط الحدود الرسمية، حيث تحتل اسرائيل عدداً من النقاط التي تحفّظ عليها لبنان عند ترسيم «الخط الازرق»، واختراع خط ثالث هو «خط الانسحاب»، بحيث باتت مسألة تثبيت حدود لبنان البرية مع فلسطين معقدة بفِعل فاعل اسرائيلي ودولي. من دون ان ننسى رفض اسرائيل تطبيق القرار 425 المتعلّق في جانب منه بمزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة، وربط الانسحاب منها او بجزء منها بحل سياسي لأزمة المنطقة على قياس ومصالح اسرائيل لا لبنان وسوريا، وتراخي المجتمع الدولي في إجبار اسرائيل على تنفيذه.
لذلك، فمعالجة ازمة اليونيفيل لا تكون فقط من لبنان، بل من اسرائيل ايضاً، ولا تكون بقرار لبناني او اسرائيلي، بل بقرار عادل ومتوازن من مجلس الامن الدولي، بدل الإنحياز بفعل الضغط والتأثير و«الفيتو» الاميركي والغربي لمصالح اسرائيل اكثر من مراعاة مصالح لبنان، بدليل تلبية كل متطلبات وشروط و«هواجس» اسرائيل وإهمال مطالب لبنان الامنية والسياسية المشروعة.
ويبدو من التوجهات السياسية بعد المواجهات الاخيرة في الجنوب خلال الشهرين الماضيين، انّ المجتمع الدولي والامم المتحدة يَنحيان لمعالجة مبتورة لسبب الازمة ونتائجها، تقوم على تقديم ضمانات وتطمينات امنية كبيرة لإسرائيل ومستعمراتها الشمالية، من دون تقديم اي ضمانات او تطمينات للبنان بوقف الانتهاكات للقرار 1701 والاعتداءات العنيفة التي تجاوزت قواعد الاشتباك وأدّت الى سقوط شهداء مدنيين والى أضرار كبيرة في الابنية والمزروعات والبتى التحتية، واضطرت المقاومة الى الرد بالمثل لكن بوتيرة أخف ومدروسة بحيث لم تهدد حياة المدنيين.