على الصعيد الداخلي، ووسط الغام تتأتى من كل حدب وصوب، لم يتمكن مجلس الوزراء من عقد جلسته العادية التي كانت مقرّرة صباح امس. وفيما كانت الانظار تتجّه الى ملف الشغور في قيادة الجيش من حيث امكانية طرحه من خارج جدول الاعمال، جاء تطيير الجلسة من ملف متفجر آخر، وهو طلب وزارة الاتصالات تلزيم البريد، حيث كان يفترض ان يستمع الوزراء الى تقرير وزير الاتصالات جوني القرم بشأن العقد مع شركة «ميريت انفست» بالائتلاف مع شركة colis prive france المتعلق بالمزايدة العمومية لتلزيم الخدمات والمنتجات البريدية، وهو البند الذي نشب حوله خلاف كبير في الجلسة السابقة بين القرم ورئيس «هيئة الشراء العام» جان العلية.
وعلمت «الجمهورية» من مصادر حكومية، انّ سبب تطيير الجلسة لم يكن عدم اكتمال النصاب الذي كان متوافراً، وانما اجواء الاحتقان والتشنج التي بدت عند وصول عدد من الوزراء الى مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حيث اتضح انّ الخلاف لا يزال موجوداً، وانّ المشكلة ستتفاقم في ظلّ ابلاغ بعض الوزراء الذين حضروا انّهم لن يسيروا في خلاف رأي هيئة الشراء العام والمؤسسات الرقابية، خصوصاً وانّ هناك 5 قضاة من مجلس شورى الدولة يعترضون على ما سمّوها «صفقة»، كما انّه وعند وصول القرم الى السرايا الحكومي كان واضحاً على وجهه الاستياء الكبير والغضب، ودار النقاش في جو متشنج، وتلافياً لتفاقم المشكلة تمّ الاتصال بوزيرين كانا في طريقهما الى السرايا هما زياد مكاري وامين سلام، وأُبلغا انّ الجلسة تأجّلت ولا داعي لحضورهما. واكّدت المصادر الحكومية انّ المزاج العام لم يكن جاهزاً لعقد الجلسة، وانّه كانت هناك حاجة للتشاور والتدقيق في جملة امور، ومن هنا انعقد اللقاء التشاوري بعد تأجيل الجلسة.
وحول قضية قيادة الجيش اكّدت المصادر نفسها، انّ الموضوع ما كان سيُناقش في الجلسة من خارج جدول الاعمال كما أشيع، خصوصاً انّ ميقاتي سبق وقال انّ هناك متسعاً من الوقت ولا داعي للاستعجال وسيتخذ قراراً مدروساً يقدّم فيه المصلحة العليا raison d’etat على ما عداها بعد اكتمال مروحة اتصالات حوله. واشارت المصادر الى انّ ميقاتي ابلغ الى الوزراء خلال اللقاء التشاوري انّ الامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية أنهى دراسة قانونية ودستورية لتفادي الشغور، عبر طروحات قانونية متاحة، وانّ التمديد هو الاكثر جدّية بينها.
وفي رواية أخرى، انّ الجلسة الحكومية كانت مخصّصة لتقويم نتائج القمة العربية الاسلامية الطارئة الاخيرة التي شارك فيها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كما انّها كانت ستتناول اقتراحات وزير الاتصالات جوني القرم بشأن الاستعانة بخدمات شبكة «ستارلينك» للاتصالات بديلاً من اي عطل قد يصيب شبكتي الهاتف الخلوي في لبنان في حال وقعت الحرب، من ضمن الخطط الطارئة لمواجهة الكوارث التي كانت قيد البحث في الحكومة استعداداً لما قد تتسبب به الحرب.
وذكرت مصادر وزارية، انّ فقدان نصاب الجلسة كان بسبب زحمة السير التي تسببت بها السيول الصباحية في بيروت وعند مداخلها والمناطق، حيث تسمّر اللبنانيون على الطرق لساعات طويلة، ما حال دون وصول بعض الوزراء وغياب آخرين بسبب السفر، وبقاء وزير التربية في منزله لتقبّل التعازي بشقيقه، فأُرجئت الجلسة الى الاثنين المقبل في ظلّ المقاطعة المستمرة للوزراء السبعة. ونتيجة لذلك، عقد ميقاتي لقاء تشاورياً مع ثلاثة عشر وزيراً دار النقاش فيه حول الجديد المطروح على اكثر من مستوى، بعدما اجمعوا على ان ليس هناك من أسباب اخرى ادّت الى تطيير نصاب الجلسة، ولا سيما تلك الرواية التي قالت إنّ ملف التمديد لقائد الجيش كان مطروحاً على الجلسة، فيما كانت كل المعلومات تستبعد هذا الطرح الذي لم يحن اوانه بعد، وانّ الإتصالات الجارية لم تنتهِ بعد الى تحديد ما يمكن ان تسلكه هذه القضية، بعدما توافر الإجماع من حولها، وأنّ ما هو منتظر يتصل بالموقف النهائي لـ «حزب الله» من هذه الخطوة، وطريقة تظهيره بطريقة تراعي تعهداته بالوقوف الى جانب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وذكرت معلومات شبه رسمية، انّ ميقاتي أبلغ الى الوزراء أنّ «التمديد لقائد الجيش لن يحصل إلاّ بالتوافق، وهو ليس في وارد الذهاب بالموضوع على قاعدة التحدّي».
واجمعت مصادر وزارية على التأكيد أنّ رئيس الحكومة ابلغ الى الوزراء انّ الامانة العامة لمجلس الوزراء اعدَّت دراسة قانونية ودستورية موسّعة في شأن الحلول القانونية التي يمكن اعتمادها لتفادي الشغور المرتقب في القيادة العسكرية. واضافت انّ الامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية أنجز دراسة قانونية دستورية ليل أمس، تقترح حلولاً للشغور المرتقب في القيادة العسكرية وذلك بناءً على تكليف سابق من مجلس الوزراء.
وتلاقت مصادر وزارية ونيابية على التأكيد لـ «الجمهورية» انّ نسخة من دراسة مكّية وصلت الى عين التينة، وأنّ هناك إجماعاً على الالتزام بها وتنفيذ ما قالت به من إجراءات حكومية ستُتخذ في مدى لا يتجاوز الايام القليلة المقبلة، وقد يكون ما تمّ التفاهم عليه مطروحاً على جلسة مجلس الوزراء المقبلة في حال توافر الجواب النهائي لـ«حزب الله» قبلها او في الجلسة التي ستليها على أبعد تقدير.
**