من يراقب أسعار السلع الغذائية والإستهلاكية والخدمات عموما اليوم، يلاحظ أنّها في ارتفاع مستمر، رغم أنّ الدولار في انخفاض مستمر ولو أنّه يتأرجح صعودا مؤخرا. واقع يطرح علامات إستفهام حول جدوى قرار وزير الإقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، الذي سمح قبل عدة أشهر للمحال التجارية و”السوبرماركات” بتسعير السلع بالدولار الأميركي، من أجل الحفاظ على استقرار أسعار السلع في الأسواق، وحرصاً على حماية المستهلك، على حدّ تعبيره.
ويتضح لمن يتابع أنّ هذا القرار لم يحقّق هذا الهدف، بل سار على خطى قراري رفع تعرفتي الكهرباء والإتصالات، لتصبّ جميعها في مصلحة أصحاب المصالح على أنواعها، وتسرق ما تبقّى من جيب المواطن بدل أن تحميها. فما الذي جعل قرار “دولرة” الاسعار يأتي بمفعول عكسي؟ وهل يجب العودة عنه، ومن يحمي المواطن وكيف؟
دولرة الأسعار إيجابية! كيف!
برأي عكّوش ، كان يمكن أن تكون عملية “دولرة” الأسعار مفيدة في ظلّ الإقتصاد الذي يعاني التضخّم المفرط، حيث يصعب تحديد الأسعار بالعملة الوطنية كونها ترتفع بشكل سريع جدا، ولكن بشرط وجود رقابة ومحاسبة فاعلة من قبل الهيئات المكلفة بالرقابة والمحاسبة، لكنّهما للأسف غير موجودتين في لبنان، ويشرح بأنّ الأسعار لم تنخفض رغم استقرار الدولار المؤقت، بسبب حالة التضخم التي تشهدها معظم اقتصادات العالم، ما دفع المصارف المركزية لرفع الفوائد للحدّ من هذا التضخم وتخفيض معدلاته التي وصلت في اوروبا إلى 10%، فضلا عن أنّه ليس هناك ما يردع التجار عن الإلتزام بهوامش الربح المحدّدة لهم بموجب القانون.
هل الحلّ بالتراجع عن القرار؟
وفيما لا يوافق عكّوش بأنّ هذا هو الحل، يؤكّد أنّه يتحقّق من خلال تفعيل هيئات الرقابة واستعمال آدوات جديدة في هذه العملية، منها التكنولوجيا على سبيل المثال، خصوصا في ظلّ العدد القليل والظروف الصعبة التي يمرّ بها فريق العمل المولج بعملية الرقابة، في ظلّ الأزمة الإقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام.
“دولرة” الرواتب
تمّت دولرة أسعار معظم السلع والخدمات في البلاد، ولا يزال موظفو القطاع العام، وقسم لا يستهان به من موظّفي القطاع الخاص يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، فهل الحل بـ “دولرة الرواتب”بشكل كلّي للقطاعين؟ يلفت عكّوش إلى أنّ هناك “دولرة” للرواتب والمداخيل في القطاع الخاص اليوم بنسبة تزيد عن 70%، وهذا ما نلاحظه في مداخيل بعض المهن الحرة من أطباء ومهندسين ومحامين الذين يتقاضون أجورهم بالدولار الأميركي وليس بالليرة، ومعظم الشركات الخاصة عبر إعلاناتها التوظيفية تحدّد الأجور بالدولار الأميركي، فيما يبقى القطاع العام هو المشكلة الأساسية، إذ لا يمكن “دولرة” رواتب موظفيه، لأنّ واردات الدولة بالليرة اللبنانية، والأخيرة عاجزة عن تأمينها بالدولار، والحل هنا هو بإعادة تقييم رواتب موظفي القطاع العام، وتقييم واردات الدولة ووضع خطة إقتصادية لدراستها، كي يتّم-على أساسها- إقرار زيادة رواتب هذا القطاع.
القضاء مقصّر…
ويجدّد عكّوش التأكيد على أنّ الجهة المكلفة بالرقابة على الأسعار اليوم هي مصلحة حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد، التي يفترض أن ترصد أساس التكلفة للسلع وهوامش الأرباح على الأصناف، التي يفترض أن تكون محددة لكلّ نوع منها من قبل الوزارة، والتأكد من عدم تجاوز هذه الهوامش، إلّا أنّ ما يحصل اليوم هو أنّ الوزارة لا تستطيع وحدها ردع المخالفين، فهي تحدّدهم وتسطّر محاضر ضبط بحقّهم، لكن إذا لم تتحول هذه المحاضر إلى حقيقة عن طريق القضاء فلا قيمة لها ولا لعملية الرقابة، فالقضاء اللبناني مقصّر، ولا تحصل متابعة لهذه المحاضر أو محاسبة وتطبيق العقوبات الرادعة، والتي قد تصل إلى حدّ إقفال بعض المؤسسات التي تتمادى وتكرّر المخالفات.
واشار إلى أنّه إذا لم يكن هناك تنسيق وتناسق بين الهيئتين فلن نصل إلى أي نتيجة، عطفا على أنّ القوانين المتعلقة بالعقوبات لا تزال قديمة وقيمة الغرامات تسعّر وفق دولار 1500 ليرة، وبالتالي هي بحاجة الى تعديل وإعادة دراسة من قبل مجلس النواب وتقديم اقتراحات مشاريع بهذا الموضوع، فمثلا هناك محاضر ضبط اليوم بقيمة 50 مليون ليرة، وهذه الغرامة كانت رادعة في السابق إذ كانت تعادل نحو 33 ألف دولار أميركي، فيما اليوم هي لم تعد كذلك بحيث لا تتجاوز قيمتها 500 دولار أميركي.
خلاصة القول..بدل أن تتراكم أرباح أصحاب المصالح بالليرة اللبنانيّة، أصبحت تتراكم اليوم بالدولار الأميركي بفعل قرار “دولرة” أسعار السلع والخدمات، والسبب غياب المراقبة والمحاسبة. وبالتالي، لم يحم القرار المواطن بل راكم خسائره، لا سيّما مع عودة “الأخضر” إلى التأرجح صعودا!
المصدر:”الديار – يمنى المقداد”
**