1- إنّ الملف اللبناني ليس أولوية في الاتصالات العربية والدولية الجارية.
2- إنّ انتخاب رئيس للجمهورية أو عدم انتخابه في المدى القريب أمر يشغل فيه اللبنانيون وحدهم، لضرورات النزاع السياسي الداخلي، لكن القوى الخارجية تتعاطى مع لبنان برئيس ومن دونه بلا أي فارق، ما دام شيئاً لم يتغيّر على مستوى إدارة البلد، برئيس أو من دونه.
3- إنّ اللبنانيين هم الذين يطلقون السيناريوهات حول مواقف القوى الغربية والدولية من الملف اللبناني، وفقاً لما يتمنون أو يرغبون. ولكن، في الواقع، لا سيناريو تمّ إعداده مسبقاً للبنان حتى الآن.
4- إنّ السعوديين والإيرانيين مهتمون حالياً بالتسويات في اليمن وسوريا، في الدرجة الأولى. والمقايضة بين الطرفين واقعة هناك. وأما لبنان فلا أحد مستعجلاً لإنتاج تسوية فيه، وهو متروك لما بعد الانتهاء من اليمن وسوريا، أي إنّ لبنان سينتظر الخطوات التي ستلي مسارات عودة سوريا إلى الجامعة العربية والتطبيع بين الخليجيين وحكومة دمشق والخطوات السياسية المنتظر التوافق عليها في سوريا، سواء على المستوى السياسي أو في مجال إعادة الإعمار ومصير اللاجئين السوريين.
5- في الانتظار، سيكون على اللبنانيين «أن يأخذوا نفساً عميقاً»، وأن يلتزموا الهدوء وضوابط الاستقرار الداخلي سياسياً وأمنياً، لئلا يسيئوا إلى مناخات التقارب والتوافق الإقليمية. وإلّا، فإنّ من «سيفتح على حسابه» و «يخربط» سيدفع الثمن. وهذا الأمر توافق عليه السعوديون والإيرانيون معاً.
في شكل مفاجئ، طرأ جمود على ملف رئاسة الجمهورية، وساد صمت كامل أوساط المرشحين المعلنين وغير المعلنين، لأنّهم جميعاً يعيشون وضعية الترقّب لما ستنتجّه التسويات الخارجية، عندما يكتمل نضوجها.
هناك تحفظ لدى السفير السعودي في لبنان وليد البخاري عن إطلاق المواقف الحاسمة.
هناك صمت كامل على مستوى حكومة تصريف الأعمال ورئيسها نجيب ميقاتي بسبب الإرباك في إدارة الملفات الصعبة، ولا سيما منها المأزق المالي المقبل على استحقاقات حساسة تتعلق بمصرف لبنان ووضع الليرة في الشهرين المقبلين.
في الانتظار أيضاً، هناك جمود تام في ملف علاقة لبنان مع الجهات الدولية، وخصوصاً مع صندوق النقد الدولي. فلا السلطة في لبنان مستعدة لتلبية الشروط التي يضعها الصندوق لتوقيع اتفاق معه، ولا هو مستعد للتراجع عن هذه الشروط.
طبعاً، في نماذج كثيرة سابقة، لم يتجاوز لبنان حالات الجمود المماثلة إلاّ بفعل أحد تطورين: إما أمر خارجي إلى القوى الداخلية بإبرام تسوية معينة تكون انعكاساً لتوافقات إقليمية ودولية، وإما لجوء أحد الأطراف في الداخل إلى مغامرة تفجير للوضع الأمني، بالتنسيق مع الحلفاء في الإقليم، ما يخلط الأوراق ويفرض معطيات جديدة. ومن ذلك مثلاً حركة 7 أيار 2008 التي أدخلت البلد في «اتفاق الدوحة».
فهل يكون أحد هذين الاحتمالين وارداً اليوم في لبنان: اتفاق إقليمي- دولي على تفاصيل تسوية معينة، أو تكرار «حزب الله» سيناريو 7 أيار لفتح الباب على خيارات جديدة؟
يعتقد المتابعون أنّ الاتفاق السعودي – الإيراني ليس عابراً، بل ستكون له مستتبعات راسخة. وهذا الاتفاق أدّى إلى قلب المعادلات السابقة رأساً على عقب، وبات الوضع اللبناني اليوم ممسوكاً إلى حدّ بعيد. وستكون الخيارات التي ينتظرها لبنان موضع توافق سعودي – إيراني.
ويقول البعض: في المرحلة المقبلة، سيكون على اللبنانيين أن يرضخوا للتسوية الآتية في شكل رضائي، لأنّ البديل هو أن تقوم القوى الخارجية بفرض الخيارات التي لا نقاش فيها، سواء ارتضوا بها أم رفضوها. وفي عبارة أكثر دقة، إنّ التفاهم السعودي – الإيراني سيحظى بموافقة سنّية وشيعية وازنة. لكن المشكلة تبقى في الموافقة الأميركية خارجياً، والموافقة المسيحية داخلياً.
فماذا لو أعلن السعوديون موافقتهم على الصفقة الرئاسية التي حاول الفرنسيون تسويقها قبل أسابيع؟ كيف سيتفاعل معها الأميركيون؟ وهل سيرفضها حلفاء السعودية المسيحيون؟ وإذا رفضوها، فما هي خياراتهم البديلة؟
الثابت حتى الآن هو أنّ على اللبنانيين أن يتحلّوا بالصبر، لأنّ التسويات الآتية إليهم تمرّ أولاً بسواهم. وحتى ذلك الحين، «الخربطة» ممنوعة.
المصدر:”الجمهورية – طوني عيسى”
**