كتبت صحيفة “الجمهورية”: حدثان خطفا الأضواء أمس، الاول داخلي تمثّل بزيارة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لبكركي والمواقف اللافتة التي أعلنها من على منبرها إزاء الاستحقاق الرئاسي والتسويات الجارية في المنطقة والتي ستشمل لبنان. والثاني خارجي وتمثّل بزيارة وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان لدمشق هي الاولى لمسؤول سعودي بهذا المستوى منذ اكثر من عشر سنوات، وما أعلنه مع المسؤولين السوريين من مواقف ازاء الحل السياسي في سوريا وعودتها الى دورها على الصعيد العربي. ويتوقع ان يكون لهذين الحدثين تفاعلاتهما على الصعيد السياسي الداخلي، خصوصا لجهة ما يتصل بالاستحقاق الرئاسي في ضوء التطورات الايجابية المتسارعة على ساحة المنطقة بفعل الإتفاق السعودي ـ الايراني الاخير.
قدّم فرنجية مرة جديدة امس رؤيته الرئاسية من على منبر بكركي بعد لقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، عاكِساً بمواقفه مناخ التسويات الجارية في المنطقة ومشدداً على اهمية استفادة لبنان منها للخروج من ازمته. وقال: «التسويات في المنطقة على قدم وساق ولطالما حذّرنا من انّ مع التسوية الناس سيتصالحون ويلتقون بعضهم مع بعض. اليوم وزير الخارجية السعودي في سوريا ووزير خارجية ايران التقى بنظيره السعودي، لقد تغيرت اللعبة في المنطقة وهذا الأمر سينعكس بنحو او بآخرعلى لبنان. لذلك انا ادعو من هذا المنبر جميع السياسيين الى قراءة الأمور بغض النظر عن الأشخاص».
واضاف: «ليس لدينا اي نظرة عدائية تجاه اي بلد صديق للبنان ولا سيما الدول العربية وخصوصا المملكة العربية السعودية. (…) اننا لا نريد الا الخير للعرب وللمملكة العربية السعودية، ونعتبر انفسنا اننا ولدنا في بيت عربي وليس مشرقياً او فينيقياً، وبالتالي منذ اليوم الأول قلنا اننا عرب وتربّينا بنفس عروبي. وعندما كانت تضرب العروبة في المنطقة كنا نُجاهر بها، وقلنا يومها: بئس هذا الزمن الذي اصبحت فيه العروبة تهمة».
وعن الضمانات السياسية التي سيقدمها للسعودية لتأمين التعاون معها، اوضح فرنجية: «لقد زرتُ باريس والجميع يعلم انهم ارادوا ان يلتقوا بنا والجميع يعلم انهم يتشاورون مع المملكة العربية السعودية. وبالتالي، أجبناهم عن عدد من الأسئلة التي طرحتها المملكة لأن ما من شيء نخفيه». واكد السير في الاصلاحات، وقال: «نحن ندعم اي حكومة في برنامجها الإصلاحي وندعم رئيسها». ورد فرنجية على القول بالتخلي عن صلاحيات رئيس الجمهورية، وقال: «اننا لا نتخلى ولو عن واحد في المئة منها بل نمارسها بمسؤولية وطنية وليس بكيدية شخصية». وأضاف: «هدفي ليس السلطة وانما ان اصبح رئيسا واترك بصمات في تاريخ هذا البلد. التسوية الكاملة في المنطقة نحن مضطرون للدخول فيها وليس البقاء خارجها، كما حصل في تجربة 1989، وللأسف دفعَ المسيحيون الثمن». وقال: «لقد سمعت الفيتو السعودي من الإعلام اللبناني ولكن لم اسمع هذا الكلام يوماً من المملكة واصدقائها، لا بل انا اسمع كل يوم أحاديث افضل». ولفت الى ان «الكثير من الأمور يتم وسط كتمان كبير».
وعن الضمانات التي يتمتع بها حول سلاح «حزب الله» وملف النازحين السوريين، قال فرنجية: «النازحون السوريون من اولويات اي عهد فكيف اذا كنتُ انا رئيسا للبلاد». واضاف: «علاقتي الشخصية مع الرئيس الأسد أسخّرها لمصلحة البلد واعادة النازحين. وعلاقتي الشخصية مع الحزب أسخّرها ايضا لمصلحة البلد. بالنسبة الى موضوع السلاح نحن مع الدعوة لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية». وتعهد ان يدعو الى «حوار وطني حول الإستراتيجية الدفاعية».
الموقف الفرنسي
في هذه الاثناء وفي ضوء استمرار الاتصالات التي يجريها مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل مع القيادات اللبنانية، قالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» ان الإعلان الفرنسي عن بعض اللقاءات لا يعني انها الاولى من نوعها فبعض اللقاءات التي عقدت في الفترة الاخيرة قد تكون الثالثة والرابعة بالنسبة الى بعض الزوار، وانّ برنامجا حافلا ستشهده العاصمة الفرنسية في الايام المقبلة، سواء اعلن عن هوية الشخصيات التي ستزورها ام لا فسيّان.
ولفتت المصادر إلى انّ ما فاجأ زوار العاصمة الفرنسية انّ إدارة الرئيس ماكرون لم تتخل عن تأييدها ترشيح لفرنجية، وهي مستمرة في حملتها الديبلوماسية لهذه الغاية على اكثر من مستوى داخلي وخارجي على السواء.
الرئاسة الى الواجهة
وفي سياق متصل، قالت اوساط سياسية متابعة لـ«الجمهورية» ان الانتخابات البلدية والاختيارية التي تم تأجيلها تقنياً نجحت في حَرف الانظار عن الملف الرئيسي المتعلق بالانتخابات الرئاسية أقله في الاسبوعين الاخيرين او في الاسابيع الثلاثة الاخيرة، ولكن مع التمديد لهذه المجالس ومع انعكاساتها التي تنتهي اليوم في ظل المواقف المتقابلة يعود ملف الانتخابات الرئاسية الى الواجهة مجدداً في اعتباره الملف الاساس الذي يحكم طبيعة المرحلة السياسية في لبنان، والذي من خلال إتمام الاستحقاق الرئاسي يعود الانتظام، وفي إمكان الدولة انجاز استحقاقاتها بالطريقة المطلوبة. ولذلك سيعود التركيز على هذا الاستحقاق خصوصا في ظل الزيارة التي قام بها رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى بكركي، وفي ظل تحركات خارجية محورها الانتخابات الرئاسية التي ستبقى العامل الاساس الذي من دونه لا امكانية لإجراء اي اصلاحات ولا لنقل البلاد الى مرحلة سياسية جديدة يسودها الاستقرار السياسي، وتنتظم من خلالها شؤون الدولة، وينطلق مسار الدولة اللبنانية. ولكن حتى اللحظة ما تزال الامور على حالها».
واضافت هذه الاوساط: «هذا في الصورة الشكلية، وفي الصورة المعلنة ولكن في الكواليس هناك كلام كثير عن انّ هناك ما يُطبَخ، وان هذا الاسبوع سينضم الى الاسابيع التي سبقته في اعتباره اسبوع عيد الفطر، ولكن في منتصف الاسبوع المقبل من المرجّح ان تبدأ معالم ما خلصت اليه الزيارة القطرية بالظهور حيث يُحكى عن تحركات جديدة بناء على المعطيات التي تلمّسها الموفد القطري، وبناء ايضا على ان الصورة اللبنانية الداخلية اصبحت جلية لكل القوى الدولية المتحركة في لبنان لإخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، إن كان في الطليعة باريس والدوحة، وان كان ضمناً واشنطن والقاهرة والرياض كمجموعة خماسية همها الاول الوصول الى النتائج المرجوة في الانتخابات الرئاسية، ولكن في الصورة الشكلية ما زالت الامور على حالها في ظل ميزان قوى خارجي وداخلي هو في حالة جمود، لكن هذا الجمود لا يعني انه يعكس الصورة الحقيقية في ضوء حراك يجري على مستوى المنطقة ويؤشّر الى كسر حالة الجليد القائمة. وبالتالي، هذا الكسر في المنطقة لن يكون لبنان استثناء فيه وإنما سيمتد اليه، ولكن هذا الامر في انتظار مزيد من التبلور، واي حراك لن يكون هذا الاسبوع كونه اسبوع مستقطع بين العطلات المسيحية والاسلامية، وبالتالي المرجّح ان تعاود المحركات الدولية نشاطها بسرعة مواكبة للسرعة المشهود لها في التحرك في ضوء ما يحصل في المنطقة من اجل الوصول الى بلورة للملف الرئاسي وترجماته على ارض الواقع.