كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لم يحجب مثول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمام القضاءين اللبناني والفرنسي، أمس، للمرة الاولى للاستماع اليه حول التهم الموجهة اليه، الاهتمام بتطورات الاتفاق السعودي ـ الايراني المتفاعل بقوة في المنطقة، لأنه أدخلها في مرحلة مفتوحة إنهاءً لكل الازمات فيها من اليمن وصولاً الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا. وإذ توحي الاجواء بأنّ الاولوية في ظل هذا الاتفاق هي لليمن، فإنّ لبنان المأزوم والمنهار يبدو الاكثر استعجالا للافادة منه أقلّه على مستوى انجاز الاستحقاق الرئاسي الذي تنشط الاتصالات في شأنه في مختلف الاتجاهات، وخصوصا بين باريس والرياض. فيما جنون الدولار يستمرعلى يد «مشغّليه» في الانقضاض على ما تبقى من قيمة العملة الوطنية حيث بلغ سعره امس 106,000 ليرات، فكأنه يسابق الحلول الموعودة سياسيا واقتصاديا قبل تبلورها الموعود.
إنفصَم المشهد السياسي بين قاضية فرنسية لا تريد الذهاب في ايار الى التقاعد قبل ان تطبق بيديها على خناق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي لا يزال يكرر محاولاته للاطباق على أزمة لبنان واعادة رسم دور متجدد لفرنسا على خط الرئاسة الاولى، مقتنعاً بأنّ المقايضة بين الرئاسات على الطريقة اللبنانية يمكن ان تسوّق سعودياً اذا ما غلّفت بسيلوفان فرنسي…
وقد قللّ مصدر سياسي رفيع عبر «الجمهورية» من امكانية احداث خرق سريع خلال لقاء باريس اليوم، وان كان في استطاعته لجم اندفاعة «الفيتوات» في انتظار بلورة الصورة المواكبة للاتفاق السعودي ـ الايراني، وكذلك في انتظار نتائج المسعى الباريسي الثاني على هذا المستوى. وقال المصدر: «ستبقى انشغالاتنا منصَبّة على حركة الدولار التصاعدية ومحاولات الصمود في وجه التسونامي التي يجتاح فيها كل القطاعات ولا سيما منها مقومات الحياة اليومية للمواطن». ونفى «وجود اي نية لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري للدعوة الى جلسة نيابية قريباً لانتخاب رئيس «فموقفه الحاسم، وهو أنه لن يعيد مسلسل الجلسات الهزلي، لن يتغيّر، فلا جلسات طالما ان ليس هناك تطور في الملف يغيّر المشهد».
لقاء سعودي ـ فرنسي
تتجه الانظار اليوم الى العاصمة الفرنسية حيث يستضيف قصر الاليزيه لقاء فرنسياً ـ سعودياً للبحث في ملف لبنان، في ضوء مجموعة الإشارات البارزة التي تطورت منذ لقاء باريس للدول الخمسة الذي عقد في السادس من شباط الماضي بين كل من فرنسا، الولايات المتحدة الاميركية، المملكة العربية السعودية، قطر ومصر. وما انتهى إليه من توصيات قبل ان تتطور العلاقات بين المملكة وايران بالإعلان عن «اتفاق بكين» في العاشر من الجاري لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وإلى الجانب الفرنسي الذي سيتمثّل بالفريق الذي تولى ادارة اللقاء الخماسي، سيشارك فيه عن الجانب السعودي المستشار في الديوان الملكي الدكتور نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري، وعن الجانب الفرنسي باتريك دوريل والموفد الشخصي للرئيس الفرنسي الى ملف لبنان بيار دوكان.
وقالت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ اللقاء سيشهد مقاربة جديدة للتطورات مضافة الى الجهود التي بذلها دوكان ونتائج مفاوضاته التي أجراها في واشنطن وباريس مع فريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، للبحث في شكل المساعدات التي طلبها لبنان في ملف الطاقة أو في ملف التعافي الاقتصادي على رغم من عدم قيام لبنان بأي خطوة تؤدي الى تنفيذ التعهدات التي قطعها في الاتفاق المعقود معه على مستوى الموظفين في 9 نيسان العام الماضي، إضافة الى البت بالاصلاحات التي لا يمكن تأجيل البحث فيها أكثر مما مضى حتى اليوم.
وبعدما لفتت المصادر الى ان الجانب الاقتصادي والمالي والانساني سيطغى على البحث، قالت ان اللقاء سيتناول ايضا الاستحقاق الرئاسي من باب التفاهم الجديد بين المملكة وإيران وانعكاساته المرتقبة على الوضع في لبنان، وإصرار الطرفين على مجموعة من المواصفات الرئاسية التي تلاقت في جوانب عدة منها ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية قبل القيام بأي خطوة أخرى وتشكيل حكومة جديدة تتعامل مع المجتمع الدولي والجهات المانحة.
لا تسييل قريباً
الى ذلك، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ «الترجمة اللبنانية للاتفاق السعودي ـ الايراني تحتاج الى بعض الوقت، وبالتالي لا تسييل رئاسياً لهذا الاتفاق في القريب العاجل». ولفتت إلى أنه «قبل أن ينعكس الاتفاق بين الرياض وطهران على الملف اللبناني عموماً والشق الرئاسي منه خصوصاً، لا بد من الانتظار حتى يجري اختبار هذا التفاهم عملياً واستكمال بناء الثقة المتبادلة بين طرفيه».
واشارت المصادر إلى «أن إجراءات بناء الثقة تتعلق أولاً بإعادة ترتيب العلاقات الثنائية على مستويات عدة ومعالجة تراكمات مرحلة المواجهة، ثم يأتي دور الملف اليمني الذي ستكون له الاولوية الإقليمية كونه يخصّ الأمن القومي للبلدين، وخصوصاً السعودية». واعتبرت المصادر ان استفادة لبنان من التقارب الاقليمي تتطلب ملاقاة القوى الداخلية لهذا التقارب عبر تحمّل مسؤولياتها بدل الاكتفاء بانتظار مفاعيله والبقاء في موقع المتلقي.
لائحة مرشحين
وفي سياق متصل قالت اوساط ديبلوماسية مطلعة على الحركة الخارجية المكثفة التي تجري في الكواليس الديبلوماسية سعياً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية»: انّ عواصم القرار المعنية بالملف اللبناني وصلت الى اقتناع بأنّ الاستحقاق الرئاسي لن ينجز بواسطة القوى السياسية اللبنانية، بفِعل عدم قدرتها على الاتفاق على مرشح او على خوض غمار المعركة الانتخابية وفي ظل غياب التوافق حول مرشح واحد حتى ضمن الكتل المنقسمة بعضها على بعض، وبالتالي يتم التداول بين هذه العواصم في وَضع توجّه صارم يُصار من خلاله الى تخيير هذه القوى بين مرشح او اكثر ليتمّ حسم هذا الملف، لأنه اذا تُرك على عاتق القوى والكتل السياسية في لبنان فإنه لن يحقق أي خرق».
واضافت المصادر «انّ التداول الحاصل اليوم هو في طريقة الوصول الى لائحة في حدها الاقصى ثلاثة اسماء تستوفي شروط الفريقين السياسيين المنقسمين، لجهة ان لا يكون هناك اي فريق يشعر بأنّ انتخاب هذا المرشح يجعله في موقع المُنهزم والخاسر. وبالتالي، ان يشعر الجميع أن الانتخابات الرئاسية تشكل مدخلاً لمرحلة وطنية سياسية جديدة، وان هذه المرحلة لا يمكن ولوجها سوى من خلال عدم إشعار اي فريق انه انتكس او انه هزم او خسر. لذلك، فإن التفكير الجدي والبحث عن الاسماء التي تشعر كل هذه الكتل بأن طرحها لا يشكل تحديا واستفزازا لأيّ فريق سياسي، وأن الجميع يشعر فعلاً اننا دخلنا في مرحلة جديدة».
وشددت المصادر على ان «كل التركيز هو للخروج بلائحة مرشحين ووضعها امام الكتل على قاعدة انهم غير استفزازيين، وبالتالي تضمن هذه الدول مع الانتخابات الرئاسية كل الدعم للبنان لإعادة التوازن المالي للوضعية السياسية اللبنانية التي تنهار فصولاً وتباعاً، وقد وصل الجميع الى هذا الاقتناع بعدما تبيّن لهم انّ ترك الاوضاع على هذا المنوال لا يمكن ان يفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية».