أصدرت “هيومن رايتس ووتش” في مؤتمر صحافي اليوم، في “دار النمر” – الصنائع – بيروت – تقريرا حول أزمة الكهرباء و”تقاعس لبنان عن ضمان الحق في الكهرباء”، تحت عنوان “كأنك عم تقطع الحياة”، وهو حافل بالمعطيات الحصرية، بما في ذلك نتائج دراسة إحصائية شملت 1200 أسرة.
يظهر التقرير كيف يؤدي نقص الكهرباء النظيفة والرخيصة إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة في لبنان، ويؤثر على قدرة الناس على الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية، كل ذلك إضافة إلى التأثير على البيئة وصحة الناس.
شارك في المؤتمر كل من: لينا سميث باحثة اولى في مجال الفقر وعدم المساواة، بريان روت محلل كمي، آدم كوغل نائب مديرة قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وأدارت المؤتمر مديرة قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا لما فقيه.
ورأت “هيومن رايتس ووتش” في التقرير إن السلطات اللبنانية “تقاعست عن ضمان الحق في الكهرباء بسبب سوء إدارتها للقطاع على مدى عقود”.
جاء التقرير في 113 صفحة بعنوان: “كأنك عم تقطع الحياة’: تقاعس لبنان عن ضمان الحق في الكهرباء”. أن الكهرباء أساسية بالنسبة إلى جميع مناحي الحياة تقريبا، وهي ضرورية للمشاركة في المجتمعات المعاصرة، وبالتالي فإن الحق المحمي دوليا في مستوى معيشي لائق يشمل حق كل شخص، من دون تمييز، في الحصول على كهرباء كافية، وموثوقة، وآمنة، ونظيفة، ومتاحة بتكلفة معقولة. توفر الحكومة حاليا الكهرباء فقط لمدة تتراوح بين ساعة وثلاث ساعات في المتوسط، بينما يسد الأشخاص القادرون على دفع تكاليف إضافية نقص التغذية الكهربائية بمولدات خاصة.
تعتمد الكهرباء التي يوفرها القطاع العام والمولدات الخاصة على الوقود الأحفوري الملوث بشدة وذي التأثير الكبير على المناخ. أزمة الكهرباء فاقمت عدم المساواة في البلاد، وقلصت بشكل حاد من قدرة الناس على التمتع بأبسط الحقوق الأساسية، ودفعتهم نحو مزيد من الفقر.
فقيه
وقالت لما فقيه:”أزمة الكهرباء في لبنان تترك الناس في العتمة، وتحد كثيرا من حصولهم على حقوقهم الأساسية الأخرى مثل الحق في الماء والتعليم والرعاية الصحية. الوضع البائس في لبنان يبين أن الحصول على كهرباء آمنة ونظيفة وبتكلفة معقولة ليس من الكماليات، بل هو حق من حقوق الإنسان التي يتعين على الدولة إعمالها”.
كوغل
وتحدث آدم كوغل عن اسباب قيام “هيومن رايتس” بالتقرير فقال:” منذ ما يقرب من 30 عاما، لم تحسن الدولة إدارة “مؤسسة كهرباء لبنان”، شركة الكهرباء التي تديرها الدولة، مما يتسبب في انقطاع الكهرباء على نطاق واسع. هذه العقود من السياسات غير المستدامة والإهمال الواضح، نتيجة سيطرة النخبة على موارد الدولة والفساد المزعوم والمصالح الخاصة، تسببت في انهيار القطاع بالكامل في 2021، في خضم الأزمة الاقتصادية المستمرة، مما ترك البلاد بلا كهرباء في معظم أوقات اليوم.
وعدت الحكومات المتعاقبة على مدى عقود بإصلاح قطاع الكهرباء، لكن هذه الوعود لم تتحقق. بدلا من تعيين أعضاء في “هيئة تنظيم قطاع الكهرباء” المستقلة، حسبما ينص عليه القانون، استمر مجلس الوزراء، وبخاصة وزير الطاقة والمياه، في ممارسة سيطرة شبه كاملة على القطاع، من دون أي شفافية أو مساءلة تذكر. يتولى وزير الطاقة والمياه الإشراف على إصدار تراخيص وتصاريح الانتاج، ووضع سياسات القطاع والإشراف على تنفيذها والرقابة المالية.
استخدم السياسيون والأشخاص المرتبطون بالطبقة السياسية قطاع الكهرباء لتعزيز أهدافهم السياسية، بما في ذلك من خلال توزيع الوظائف في هذه الشركة التي تديرها الدولة لجني أرباح هائلة من العقود المربحة، غالبا على حساب الدولة، وجني الأرباح من قطاع المولدات الخاصّة.
سوق مولدات الديزل [المازوت] الخاصة المربحة، رغم كونها مكلفة وتتسبب بتلوث شديد، تسد فجوة التغذية بالكهرباء منذ عقود، لكنها متاحة فقط لمن يستطيع تحمل تكلفتها. أصبح الحصول على كهرباء مستقرة في لبنان خدمة لا يستطيع تحملها سوى الأثرياء، مما يعمق عدم المساواة المتجذر في البلاد، ويدفع الناس نحو مزيد من الفقر”.
وتابع : منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، غرق الاقتصاد اللبناني في أزمة مالية عميقة بلغت ذروتها في أول تعثر سيادي للبلاد في مارس/آذار 2020. التداعيات الاقتصادية لجائحة “كورونا”، والمأزق السياسي، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 كلها أسباب فاقمت الركود الاقتصادي وسرعت في انهيار الاقتصاد.
ارتفع معدل التضخم إلى 145% في 2021، ليضع لبنان في المرتبة الثالثة عالميا من حيث أعلى معدلات التضخم، بعد فنزويلا والسودان. بلغ التضخم السنوي للكهرباء والغاز والمياه ذروته عند حوالي 600% في يونيو/حزيران 2022.
تسببت الأزمة الاقتصادية وأزمة الكهرباء في تقويض سبل عيش عشرات الآلاف من الأشخاص. كما أدت البطالة، وتراجع التحويلات المالية، ورفع الدعم عن الواردات الأساسية إلى دفع ملايين الناس نحو الفقر وتفاقم البؤس. تقدر “الأمم المتحدة” أن أكثر من ثلثي سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر.
آدم
وقال آدم كوغل : “تعاونت هيومن رايتس ووتش مع “مؤسسة البحوث والاستشارات”، وهي شركة أبحاث محلية، لإجراء مسح شمل أكثر من 1,200 أسرة. أظهرت نتائج هذا المسح مدى مساهمة أزمة الكهرباء في تفاقم عدم المساواة، ودفع الناس إلى الفقر، وعرقلة حصولهم على حقوقهم الأساسية، مثل الحق في الغذاء والماء والصحة، والتسبب في تلوث واسع للهواء يؤثر على البيئة والصحة ويساهم في تفاقم أزمة المناخ. قالت تسعة من كل عشر أسر شملها المسح إن تكلفة الكهرباء أثرت على قدرتها على دفع تكاليف الخدمات الأساسية الأخرى”.
لينا سميث
وتابعت لينا سميث: “كما أن الحصول على الكهرباء مولد خاص أو تجاري لسد الفجوة الحاصلة في كهرباء الدولة يعتمد على الدخل. في فئة الـ20% من الأسر الأكثر فقرا، هناك أسرة من كل خمسة أسر لا تحصل على الكهرباء من مولد. بالإضافة إلى ذلك، تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض حصة أكبر بكثير من دخلها على فواتير المولدات مقارنة بالأسر الأكثر ثراء، مما يفرض ضغوطا على ميزانيات الأسر ويجعلها أكثر عرضة للتخلف عن سداد النفقات الأساسية الأخرى.
قالت نسبة عالية من الذين شملهم المسح إن انقطاع الكهرباء أثر على قدرتها على القيام بالمهام المنزلية العادية المرتبطة بالحقوق، مثل الحصول على الماء أو طهي الطعام أو المشاركة في أنشطة التعليم والعمل.
بالإضافة إلى الضرر غير المتناسب الذي يلحق بالأسر ذات الدخل المنخفض، يتسبب اعتماد منظومة الكهرباء في لبنان على محطات تعمل بزيت الوقود الثقيل وعلى مولدات المازوت في تلوث الهواء بشكل كبير، مما أثر بشدة على البيئة وتسبب في تداعيات وخيمة على صحة السكان، وأدى إلى وفاة الآلاف منهم كل عام بحسب بيانات “غرينبيس”.
لم تستثمر الحكومة اللبنانية في مصادر الطاقة المتجددة، رغم أنها قدرت أن موارد لبنان من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن تزود البلاد بأضعاف حاجتها من الطاقة. في 2019، بلغت حصة مصادر الطاقة المتجددة من إجمالي إنتاج الكهرباء في لبنان 7.83% فقط، منها 0.73% فقط من الطاقة الشمسية و1.82% فقط من الطاقة الكهرومائية.
تتحمل السلطات اللبنانية المسؤولية عن الانتهاكات اليومية لحق السكان في الكهرباء وفي تحقيق مستوى معيشي لائق، وفي التعليم والصحة والبيئة الصحية، التي تتسبب فيها أزمة الكهرباء المستمرة. يتعين على السلطات اللبنانية اتخاذ خطوات فورية وعاجلة لضمان حصول جميع السكان على كهرباء مستمرة ونظيفة وبتكلفة معقولة، وغير مساهمة في أزمة المناخ، مع التركيز على زيادة قدرة الإنتاج من الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الانتقال السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة سيساعد لبنان على توفير المزيد من المال وخلق المزيد من فرص العمل، وسيزيد من انقاذ الأرواح وسيخفض من تلوث الهواء. ينبغي للسلطات أيضا اتخاذ خطوات لإنشاء نظام حماية اجتماعية شامل يضمن منافع للناس طيلة حياتهم، مثل منح الأطفال وإعانات البطالة ومعاشات الشيخوخة.
يتعين على المؤسسات المالية الدولية، مثل “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي”، حث الحكومة اللبنانية على إصلاح قطاع الكهرباء بما يتماشى مع التزامات لبنان في مجال حقوق الإنسان، وضمان حصول كل الناس، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي، على الكهرباء وقدرتهم على تحمل تكلفتها. يتعين على البنك الدولي الامتناع عن تمويل أي مشاريع طاقة جديدة تعتمد على الوقود الأحفوري، وتقديم الدعم الفني والمالي لتوسيع البنية التحتية للطاقة المتجددة بدلا من ذلك.
وختمت فقيه، التقرير:”يتعين على لبنان اتخاذ اجراءات فورية لتعزيز قطاع الكهرباء والتصدي للتآكل المستمر للحقوق الاقتصادية الأساسية. ينبغي للحكومة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة التي ستخلق فرص عمل وتخفض التلوث، وتمكن الناس في لبنان من الحصول على كهرباء موثوقة وآمنة ونظيفة”.
**