على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ ثلاث سنوات، بات قرابة 80% من السّكان يعيشون تحت خط الفقر وعاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسيّة. ورغم كل المطالبات والاعتصامات التي حصلت ولا تزال، لا يسعه المواطن اللبناني سوى التفكير بيومه فقط، وتأمين خبزه وتدفئته.
وبعد ثلاث سنوات من الانهيار المالي والسياسي والاجتماعي، بات رفع الدّعم عن السلع الأساسية أمرًا واقعًا، والدّولرة الشاملة منطقٍ لا بدّ منهُ. فكيف يعيش ذوي الدخل المحدود ورواتبهم بالليرة اللبنانية؟
ألقى بحث جديد أجرته هيومن رايتس ووتش، الضوء على المستويات المقلقة للفقر وانعدام الأمن الغذائي في لبنان بسبب تراجع النشاط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي وارتفاع تكاليف المعيشة. وتبيّن أنّ السلطات لا تضمن استجابة حق كل فرد في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في الغذاء. ودفع بملايين الأشخاص في لبنان إلى براثن الفقر واضطروا إلى تقليص كميات طعامهم. وبعد ثلاث سنواتٍ من الأزمة، لم تتخذ الحكومة تدابير كافية، فنظام الدعم الحالي بحسب هيومن رايتس ووتش يصل إلى نسبة صغيرة للغاية من ذوي الدخل المحدود، تاركًا الغالبية من دون أي رعاية.
العجز عن سداد المصاريف الأساسية
وبحسب ما أكدته آخر دراسة لهيومن رايتس ووتش حول المستويات المقلقة في لبنان، تبيّن أنّ المواطنين اللبنانيين يعيشون أصعب أيام حياتهم مقارنةً بالسنوات الأخيرة، حيث أنّ الصعوبة في تأمين متطلباتهم اليوميّة باتت سيدة الموقف.
كمثلًا 65.3% عجز عن تأمين التدفئة، 56.2% العجز في تأمين اللباس المناسب، 55.2% في عدم تمكّن دفع رسوم التعليم والمواد التعليمية، 43.5% صعوبة النقل إلى المدرسة والعمل، 43.1% عجز في تأمين الأدوية أو الرعاية الطبية أو الخدمات الاستشفائية، 42.1% رعاية الأطفال، 36.6% من تأمين الانترنت، 35.1% دفع الايجار أو الرهون العقارية و34.7% من صعوبة تأمين الوجبات المدرسيّة.
كيف ينتهك لبنان الحق في السكن؟
في أواخر عام 2022، تابع مرصد السّكن 57 حالة تهديد بالسكن، طالت 239 شخصًا. وتبيّن أنّ الأطفال يشكّلون دون الـ 18 حوالي 47% من مجمل المتأثّرين. والملفت في هذا الرّصد، هو أنّ 33 طفلا يعيشون بالقرب من المدسة، والمعرضين لخطر فقدان هذا المقوّم الأساسي، نتيجة تهديدهم في مساكنهم. ممّا سيدفع الأهالي للرضوخ لمطالب المؤجّر غير المحقّة لضمان بقاء أطفالهم بالقرب من مدارسهم، على الأقل حتى نهاية العام الدراسي. وفي حال الإخلاء، قد يضطرّ الأهالي تكبد مصاريف إضافية لتأمين مواصلات أولادهم إلى المدارس، ما سيؤثّر على مجمل نفقاتهم المخصّصة للسكن.
بالمقابل، سجّل المستأجرون الأفراد حوالي 12% من مجمل الحالات المبلّغة، وتوزّعوا بين عاملات وعمّال وموظفين وطلاب جامعات. كما رصد المرصد 7 مسنات ومسنّين، شخص من ذوي الإعاقة، و3 أشخاص كويريات\ين من بين المتأثرين.
جغرافياً، جاءت أعلى نسب البلاغات من بيروت( 24.6%)، وتحديداً من أحياء المدوّر 14% والمزرعة 7% والرميل 3.5%، ثمّ برج حمود 15.8%. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأحياء تأوي حاليًا السكان من ذوي الدخل المحدود والطبقة العاملة من جميع الجنسيات، وتعاني من ظروف معيشية وعمرانية سيئة. كما أنها تحوي النسبة الأكبر من بلاغات غير اللبنانيين.
وفي هذا الإطار، يؤكد لنا ريمون، ربّ منزلٍ لطفلتين أنّ منطقتهم، برج حمّود، تعاني من أشدّ أنواع المخاطر حيال هذه الأزمة، معتبرًا أنّ حتّى الوصول إلى المدرسة بات العبء الأكبر عليهم كأهل.
ويقول: بالنسبة للعائلات الذي لا يزال دخلها بالليرة اللبنانية، وهذه الحال في معظم عائلاتنا في برج حمّود، نستصعب تأمين المأكل والمشرب للأولاد، ونخشى من الغد. ويسأل: بلد الكرم والحمص والتبولة واللحمة، منذ متى ونحن نخاف من عدم تأمين لقمة العيش؟ وإلى متى سيبقى الحال كما هو عليه اليوم؟ صحيح أنّ معظم المدارس قريبة من بيوتنا لكنّ الأبنية معرّضة للانهيار في أيّ لحظة.
وأكمل: برج حمّود كانت مضيئة بسيّاحها وناسها، وعرفت باللقمة الطيبة وحسن الضيافة وجودة مطاعمها. ولكن لسخرية القدر، اليوم ناسها يطالبون بـ200 دولار لتكفيهم. المصيبة أنّ العملة اللبنانية لم يعد لها أيّ قيمة، والمصيبة الأكبر أنّنا لا زلنا نتقاضى بالعملة اللبنانية، كحال المهن الحرة والأكشاك والحرف والأمور اليدويّة. أمّا من تعب وناضل وجمع مبالغ جيّدة، لا يستطيع استرجاعها بسبب سرقة واحتكار المصارف اللبنانية لزبائنها.
وختم ريمون: نتمنى من المسؤولين زيارة برج حمود ومعرفة فعلًا ما يحصل في شوارعها وضبط المخدرات وكل عصابات السرقة، لأنّ الأمن تزعزع بسبب تفلّت الدّولار وانتشار الفقر. والجوع كافر. وعن العيشة التي نعيشها اليوم، أتمنى لو مسؤولا واحدًا يعيشها لعرف معنى الذل والفقر الذي نواجهه، أكان من ناحية تأمين المياه الساخنة للاستحمام، أو تأمين تنكة زيت زيتون للأطفال أو حتى شراء كرتونة البيض التي لم أشتريها منذ عامٍ ونصف. حتّى زوجتي التي كانت تساعدني في المصاريف، اضطرت لترك عملها بسبب سوء خدمة وسرعة الانترنت في المنزل.
إلى متى سيبقى المواطن اللبناني يشتكي في هذه الظروف، وهل سيعبر هذا النفق ويصل إلى برّ الامان.
المصدر:” الديار – مارينا عندس”
**