استئناف المعركة بين الحروب
فجر أمس، دوّت عدّة انفجارات في قلب العاصمة، هزّ أحدها منطقة مدنية بالكامل، وحيّاً سكنياً ليست فيه أيّ مواقع عسكرية؛ ولذا، كثرت الإشاعات وتضاربت حول هدف الغارات. وبحسب مصادر أمنية سورية، تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «العدو استهدف عدّة مواقع في دمشق ومحيطها، من بينها حيّ كفرسوسة». إلّا أنه خلافاً لما حُكي عن استهداف مبنى «المدرسة الإيرانية» الواقع هناك، فإن «المكان المستهدف يقع في شارع آخر قريب، وليس فيه أيّ تواجد لا للجالية الإيرانية، ولا لمراكز ثقافية أو ديبلوماسية أو عسكرية تتبع لإيران»، وفق المعلومات. وبالتدقيق في الصور المتداولة من موقع الاستهداف، يَظهر أن العدو استخدم صواريخ مضادّة للتحصينات، اخترقت سطح الأرض، وأحدثت فجوة وصل عمقها إلى 4 أمتار، وقُطرها إلى 3 أمتار، بالاضافة إلى أضرار واسعة في محيط المكان. وتضيف المصادر نفسها أن «الشهداء في كفرسوسة مدنيون، ومن بينهم طبيب وصيدلانية»، بينما «استشهد ضابط عقيد في الجيش السوري، وجندي في كتائب البعث، خلال سلسلة الغارات على العاصمة ومحيطها». كما طالت الغارات راداراً عسكرياً تابعاً للدفاع الجوي في الجيش السوري في تل المسيح، في محيط مدينة شهبا شمال محافظة السويداء. إذاً، الأكيد أن لا اغتيال أو محاولة اغتيال لشخصيات قيادية من «محور المقاومة»، كما أُشيع، وأن الشهداء جميعهم سوريون، فيما يبدو، طبقاً للمعطيات المتوافرة، أن الهجوم كان استثنائياً من حيث الموقع والاسلوب، ولكنه لا يخرج عن المسار التقليدي لـ«المعركة بين الحروب»، وإيذاناً باستئنافها بعد تعليقها عقب وقوع الزلزال.
الهدف قطع خطّ طهران – دمشق
من خلال مراجعة سريعة للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، يتّضح أن العدو اعتمد مسارَين متوازيَين في الاستهداف: الأوّل هو ضرْب شحنات الأسلحة الاستراتيجية التي يَجري نقْلها من إيران أو العراق إلى سوريا، فتبقى فيها أو تنتقل إلى لبنان؛ والثاني، الذي تمّ تثبيته خلال العامَين الأخيرَين بشكل أساسي، يتمثّل في قصْف المطارات المدنية، وخصوصاً دمشق وحلب، والموانئ البحرية وخصوصاً اللاذقية وبانياس، والمعابر البرّية مع العراق، وتحديداً القائم – البوكمال. على الخطّ الأوّل، الهدف بالنسبة للعدو واضح ومعروف، وهو منْع وصول أسلحة متطوّرة وذات بعد استراتيجي إلى قوى «محور المقاومة» في سوريا ولبنان، كما ومنْع بناء بنية عسكرية كبيرة ومتطوّرة في سوريا، تشكّل تهديداً جوهرياً لأمن الكيان، وذلك من خلال استهداف مراكز الأبحاث الدفاعية وبعض المخازن العسكرية. أمّا على الخطّ الثاني، فالغرض ليس فقط منْع وصول أسلحة ما، بل قطْع طرائق التواصل الجوّي والبحري والبرّي بين قوى «محور المقاومة»، وخصوصاً خطّ طهران – دمشق، أيّاً كانت الغاية من هذا التواصل.
السيناريو عينه تَكرّر سابقاً عند معبر القائم – البوكمال، حيث استُهدفت شاحنات كانت تنقل المحروقات إلى داخل سوريا. وفي ميناء اللاذقية أيضاً، ضُربت شحنات مواد غذائية كانت قد وصلت من إيران عبر الشحن البحري. والواقع أن هذه الاستراتيجية في الاستهداف، تتكامل مع استراتيجية الضغوط الغربية القصوى على سوريا؛ حيث يتمّ منع الأخيرة من الاستيراد من أيّ دولة بفعل العقوبات، وإذا أرادت إيران دعْمها أو التصدير إليها، يكون التهديد العسكري حاضراً.
رسائل ردعية
ليس مستبعَداً أن يلجأ العدو إلى تصعيد اعتداءاته على سوريا خلال الفترتَين الحالية والقادمة، في ظلّ التأزّم السياسي الداخلي في الكيان، حيث تجد المؤسّسة الأمنية نفسها معنيّةً بتوجيه رسائل قوّة وردع في الاتّجاهات كافة، في محاولة لمنع أيّ من أعدائها في استغلال لحظة الاشتباك السياسي داخل إسرائيل. على أن هذه الرسائل لن تصل، على ما يبدو، إلى حدود تصعيدٍ غير مضبوط، يدفع إلى قلْب المعادلات القائمة. ومما يؤكّد الصفة «الردعية» للاعتداءات، تصريحات اللواء احتياط في جيش العدو، يتسحاق بريك، الذي أكد، أمس أن «التحدّيات التي تواجه رئيس الأركان، هرتسي هاليفي، صعبة ومعقّدة للغاية، في مواجهة التهديد لحدود إسرائيل والجبهة الداخلية»، حيث «نمَت في السنوات الأخيرة حلقة خانقة من مئات الآلاف من الصواريخ والقذائف ومئات الطائرات من دون طيار». وحذّر بريك من أن «الانتفاضة في الضفة الغربية يمكن أن تشعل النار في المنطقة بأكملها، أي أنه ستكون هناك أعمال شغب في إسرائيل، وستشارك حماس والجهاد في غزة، وسينضمّ حزب الله والميليشيات الموالية لإيران في سوريا واليمن والعراق».
المصدر:”الاخبار – حسين الأمين”
**