استكمالاً لمساعيها الحثيثة خلال السنوات الأخيرة لإحاطة نفسها بالجدران متعددة الأشكال، أطلقت “إسرائيل” مشروعا جديدا أسمته “الطريق الآمن”، ويضم جدارا إسمنتيا يمتد لنحو 4.6 كيلومترات، بهدف تحصين ما تسمى “مستوطنات غلاف غزة” من هجمات المقاومة الفلسطينية.
ويُنظر لهذا الجدار فلسطينيا باعتباره مؤشرا جديدا على فشل المنظومات الدفاعية الجوية الإسرائيلية، وأبرزها منظومة “القبة الحديدية”، في اعتراض القذائف والصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة في غزة.
لكن هذا النوع من القذائف هزم الاحتلال وأخفقت منظوماته المختلفة في اعتراضها، ولا تزال تشكل خطرا على المستوطنين في “غلاف غزة”، وأيضا على قوات الجيش الإسرائيلي، خاصة في أوقات الطوارئ والحروب والتصعيد مع غزة.
دولة الجدران
ولا يبدو أن مثل هذا الجدار سيقف عائقا أمام المقاومة في غزة، التي حققت نجاحات لافتة في أوقات سابقة في التعامل مع ما تستحدثه إسرائيل من تحصينات، وفق تأكيد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل رضوان، الذي قال للجزيرة نت “كل هذه الإجراءات لن توقف المقاومة ولن تجلب الأمن للمستوطنين”.
وبرأي رضوان، فإن الاحتلال “يعيش حالة هلع ورعب، ولا يزال تحت تأثير المعادلة التي فرضتها المقاومة في معركة سيف القدس، وتقوم على مبدأ توازن الردع”.
وهذا الجدار ليس اختراعا جديدا، فإسرائيل أصبحت “دولة الجدران” التي تحيط بها في كل مكان ومن كل جانب، خشية لحظة “الانفجار الفلسطيني”، بحسب رضوان. وقال “في كل مرة فشلت هذه التحصينات في وقف مقاومة شعبنا، والمقاومة التي استطاعت توجيه الضربات المؤلمة للعدو، لن تعجز عن إيجاد السبيل لقهر جدرانه وتحصيناته”.
ويتفق الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي طارق سلمي مع رضوان، ويؤكد للجزيرة نت أن “المقاومة في حالة إعداد وتجهيز لا تتوقف، ولا تأمن مكر العدو، وقادرة على قهره”.
وينظر سلمي إلى سياسة بناء الجدران التي تنتهجها إسرائيل على أنها هدر للمال بلا جدوى، وقد أثبتت المقاومة في مواجهات سابقة قدرتها على التأقلم مع الوقائع على الأرض، ودراسة نقاط ضعف “العدو” وضربه من حيث لا يحتسب.
وخلال معركة “سيف القدس” في أيار 2021، التي سمّاها الاحتلال “عملية حارس الأسوار”، وثقت حركتا حماس والجهاد الإسلامي نجاحهما في تتنفيذ عمليات استهداف لحافلات عسكرية إسرائيلية بصواريخ وقذائف متوسطة المدى، متجاوزة عقبة التحصينات الإسرائيلية في الجهتين الشرقية والشمالية للقطاع.
ويأتي مشروع “الطريق الآمن” الذي شرعت فيه إسرائيل وسيتم تدشينه الصيف المقبل، لتوفير الحماية للمستوطنات على مدار العام، وضمان حرية الحركة والتنقل لهم في أوقات التوتر الأمني، وتأمين وصولهم إلى الملاجئ.
وكجزء من المشروع الذي يكلف حوالي 50 مليون دولار، ستبني وزارة الأمن الإسرائيلية جدارا إسمنتيا بالتعاون مع وزارة المواصلات وقسم الهندسة والبناء والهيئات الهندسية في الجيش الإسرائيلي، بطول 4.6 كيلومترات على الطريق السريع 34، وكذلك على طول أقسام الطريق السريع 232، بالإضافة إلى أنه سيتم إنشاء ممرات للدراجات في المنطقة.
تحصين غير مضمون
يأتي مشروع “الطريق الآمن” استكمالا لمشروع “الجدار الأمني الفولاذي الذكي”، الممتد على طول 65 كيلومترا فوق الأرض وتحتها، والذي دشن في كانون الأول 2021 بكلفة 1.2 مليار دولار، ويبدأ من بيت حانون شمال القطاع حتى رفح جنوبا، بمتوسط ارتفاع 8 أمتارات وعمق 25 مترا تحت الأرض. ويهدف إلى إحباط الأنفاق الهجومية ومنع تسلل أفراد المقاومة إلى مستوطنات “غلاف غزة”.
وبرأي المحلل السياسي المختص بالشؤون الإسرائيلية مصطفى إبراهيم، فإن “الطريق الآمن” محاولة من إسرائيل للحد من خطر الصواريخ المضادة للدبابات التي استخدمتها المقاومة في استهداف حافلات إسرائيلية وأصابتها بشكل مباشر. “ولذلك تهدف إسرائيل إلى إخفاء الطرق وحركة المستوطنين في غلاف غزة عن أعين المقاومة”.
ويعتقد إبراهيم، أن هذا المشروع قد يحمي إلى حد ما المستوطنين في المستوطنات المحيطة بغزة، لكنه لن يوفر لهم الأمن التام في أية مواجهة محتملة في ظل الائتلاف الحاكم المتطرف الجديد في إسرائيل.